ونحن اليومَ مهما طربنا وصفقنا لموقعة (دافوس) الكلامية، يجب ألا ننسى أن موقف الحكومة التركية على المدى البعيد من القضية الفلسطينية ومن الصراع مع اليهود، لا يختلف عن موقف الآخرين، وهو موقفٌ لا يسير أبداً في صالح خيار المقاومة. فالسياسة التركية تدفع باتجاه التطبيع، وهي الغاية التي يستميت اليهود في الحصول عليها، كما أنها الورقة الوحيدة المتبقية بأيدي بني يعرب، بعد تسليمهم بالعجز عن الحسم العسكري.
ومن نافلة القول أن الثمرة المباشرة للتطبيع بين اليهود ودول المنطقة ستكون خنق المقاومة في الداخل الفلسطيني. وحين تسعى تركيا للوساطة في عمليات التطبيع، فهي في الواقع تحقق المزيد من التضييق على المقاومة الفلسطينية. وموقف الحكومة المصرية في الأزمة الأخيرة، لم يكن سوى نتيجة متوقعة لتطبيعها العلاقات مع الصهاينة. فالتطبيع ودعم المقاومة نقيضان لا يجتمعان.
وعليه فإن موقف تركيا ومنهج حماس إن التقيا اليومَ، فمن المفترض أنهما في النهاية سوف يصطدمان، ما لم يتزعزع أحدهما عن مبدئه. فحال تركيا مع حماس، سيكون في المآل كحالِ حماسٍ مع سائر دول المنطقة التي اختارت الدخول في الاتفاقيات ومفاوضات السلام الماراثونية التي لا يكسب فيها سوى المتسابق الصهيوني.
والذي يراقب ما يجري الآن، يرى جهوداً حثيثة تبذل لاستثمار دمار غزة في سبيل الدفع بحماس نحو خيار السلام، والتساؤل الذي أتوقع أن يبرز قريباً: ماذا لو خضعت حماس وسائر الفلسطينيين لشروط اللعبة، وتخلوا عن خيار المقاومة الذي يضغط الجميع باتجاهه؟
قد يبرز هذا السؤال قريباً لدى المعتنين بالشأن الفلسطيني. وأياً كان الجواب عنه، فيجب ألا نحمل الفلسطينيين أكثر مما يطيقون. فإن اختاروا الثباتَ على الجهاد والاستمرار في خيار المقاومة فدعمهم والوقوف معهم متعين. ومن عجز عن دعمهم، فلا عذر له في التآمر عليهم أو المشاركة في حربهم. بل ليس له الحق في لومهم لو مدوا أيديهم لقبول المال الإيراني .. لكن إن رأت فصائل المقاومة أن المصلحة الآن في الكف وإلقاء السلاح، فيجب ألا نكلفهم فوق ما يطيقون، فقد أدوا الكثير مما عجز عنه غيرهم. لكن إلقاء السلاح شيء، ومد الأيدي للصهاينة شيء آخر.