أولا: الحصار بالطريقة التي يطبقها الكيان الصهيوني؛ بمعنى حبس أهل غزة فيها، ومنعهم من الخروج منها، أو الدخول إليها، ومنع الحركة التجارية، بل ودخول المساعدات الإنسانية وغيرها، وما يترتَّب على ذلك من إلحاق الضرر الفادح بالناس أصحاء ومرضى بسبب نقص الطعام والشراب والدواء والوقود اللازم، وزيادة البطالة، كل ذلك عده الفقهاء من صور العدوان العمد، والذي يترتَّب عليه -إذا ترتب عليه- موت المحاصَر أن يقتص من المحاصِر. قال الدسوقي الفقيه المالكي:"يقتص ممن منع الطعام والشراب ولو قصد بذلك التعذيب ... وقال نقلاً عن ابن عرفة المالكي: من صور العمد ... أنّ من منع فضل مائه مسافرًا -عالما بأنه لا يحل له منعه، وأنه يموت إن لم يسقه- قُتِل به وإن لم يل قتله بيده اهـ فظاهره أنه يقتل به سواء قصد بمنعه قتله، أو تعذيبه "وفي الفروق" من حبس شخصًا، ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له". وقال زكريا الأنصاري الشافعي:"لو حبسه ومنعه الطعام أو الشراب والطلب له مدة يموت مثله فيها غالبًا جوعًا أو عطشًا، ومات، لزمه القود؛ لكونه عمدًا، لظهور قصد الإهلاك به، وتختلف المدة باختلاف المحبوس قوَّة وضعفًا، والزمان حرًّا وبردًا، ففقد الماء في الحر ليس كهو في البرد، وكذا يلزمه القود إن سبق لهجوع أو عطش، وكانت المدتان تبلغان المدة القاتلة، وعلمه الحابس لما ذكر". وقال ابن قدامة الحنبلي في صور القتل العمد الموجب للقود (القصاص):"الضرب الرابع: أن يحبسه في مكان، ويمنعه الطعام والشراب مدة لا يبقى فيها حتى يموت، فعليه القود" فهذه نصوص الفقهاء تشهد بأن من منع الطعام والشراب عن شخص حتى مات، قاصدًا قتله أو تعذيبه، فهو قاتل مجرم، فكيف بمن منع الطعام والشراب والدواء عن مليون ونصف من المدنيين، وفرض حصارًا ظالمًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا حتى أودى بحياة الكثيرين؟! وهذه الجريمة التي ينفذها الصهاينة بحق شعب غزة تعد صورة من صور جرائم الإبادة الجماعية في نظر القانون الدولي المعاصر حسب ما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، والتي اعتمدت، وعُرضت للتوقيع والتصديق، أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٩ كانون الأول/ديسمبر ١٩٤٨، وكان بدء نفاذها في ١٢كانون الأول/يناير ١٩٥١حيث جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية صور الإبادة الجماعية على الوجه التالي:"في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أوإثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:
أ) قتل أعضاء من الجماعة.
ب (إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج) إخضاع الجماعة -عمدًا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا.
د) فرض تدابيرتستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
هـ) نقل أطفال من الجماعة -عنوة- إلى جماعة أخرى" فهذا النص بكامل صوره ينطبق على ما تقوم به إسرائيل في حق أهل غزة.
ثانيا: في الحصار بالطريقة التي يطبقها الكيان الصهيوني إذلال ومهانة للشعب الفلسطيني قد تكون أعظم مما يحدث في المواجهة العسكرية، فلنا أن نتصور أمَّة أو شعبًا يُمنع من الدخول إلى وطنه، أو الخروج منه إلى غيره، ويُمنع الطعام والشراب والدواء، بل ويُمنع الحديث معه، ويعيش كما يقول العدو "غزة لا حياة ولا موت"، فيسمح بين وقت وآخر بمرور بعض الضروريات كلما أشرفت غزة على الموت، وهذه هي المهانة والذل.