للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية يُعبِّر عنها مثل قوله تعالى في سورة البقرة أيضا: {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} , ولذلك جاءت العبادة مالكة لسائر يوم الإنسان من يقظته حيث تبدأ معه اليوم بالصلاة الواجبة، وتحكم مفاصل يومه بصلوات مفروضة،, ثم تحكم على كل تصرف من تصرفاته في سائر يومه بأحد الأحكام الخمسة فلا يخرج فعل من أفعال العبد عن أن يكون واجباً أو مندوباً أو مكروها أو حراماً أو مباحاً، فحتى الإباحة التي يُنَظَّرُ لها على أنها مثال الحرية في الشريعة، إنما هي جزء من أمثلة استعباد الإنسان لله تعالى في هذه الأرض.

٢ - نبذ هذا المصطلح الوافد والتركيز على مبدأ العبودية لله يُكسِب الإنسان إيماناً عظيما يجعله مستبصراً لحقيقة الثواب والعقاب التي تنطلق منها أركان العبادة الثلاث: الحب والخوف والرجاء والتي تضمنها قوله تعالى من سورة الإسراء {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}.

٣ - حين يتجرد الإنسان من الاغترار بالحرية إلى الشعور بالاستعباد لله تعالى في كل حركاته وسكناته يكون أقرب إلى الامتثال لأمر الله تعالى لعباده بأن يكونوا ربانيين كما جاء في سورة آل عمران: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} قال الرازي في تعريف الربانيين: " أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضاة الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله" تفسير الرازي ٤/ ٢٧٤, وقال ابن عاشور: " كونوا منسوبين للرب، وهو الله تعالى، لأن النسب إلى الشيء إنما يكون لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه. ومعناه أن يكونوا مخلصين لله دو ن غيره. تفسير التحرير والتنوير ٣/ ١٤٠.

٤ - كما أن عودة المسلم لاستشعار استعباده لله تعالى يجعله أكثر تعلقاً واستسلاما للنصوص الشرعية على عكس من تشرب مبدأ الحرية فإنه مع الوقت ودون أن يشعر يصيبه استكبار على النصوص وعدم رضوخ لها، وهذا ما رأيناه وللأسف في كل من تحمس للقول باشتمال الشريعة على الحرية، ومع كثرة تأكيد هؤلاء على كونها منضبطة بضوابط الشرع إلا أن سحر المصطلح وبهرجه يُفقد الكثير من الناس صوابهم، حين يجدون أن هذه الحرية لا تتفق حسب أفهامهم مع الكثير من النصوص فيلجؤون إلى إعلاء الحرية على النص كما هو حاصل الآن، وقد أمرنا الله تعالى: أن نجعل النص حاكما على تصرفاتنا وأذواقنا وإراداتنا.

ولكن: ألا يُمكن القول: إنه لا تضارب بين الاستعباد لله تعالى والقول باشتمال الشريعة على الحرية؟

ويُقال: إن الحرية التي تنادي بها الشريعة هي جزء من استعباد الإنسان لله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>