للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: وجوب تقديم الدعم المادي باختلاف صوره وأشكاله -بمافيها السلاح - للدفاع عن النفس، واسترداد الحقوق المسلوبة. وما يُقدَّم ليس من قبيل التعاطف الإنساني، بل من قبيل القيام بفرائض الدِّين، وهو فرض الجهاد بالمال الذيي أخذ نفس أحكام الجهاد بالنفس، كما قال الجصاص الفقيه الحنفي المعروف في قوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله} فأوجب فرض الجهاد بالمال والنفس جميعًا، فمن كان له مال وهو مريض، أو مقعد، أو ضعيف لا يصلح للقتال، فعليه الجهاد بماله؛ بأن يعطيه غيره فيغزو به، كما أنَّ من له قوَّة وجلد، وأمكنه الجهاد بنفسه كان عليه الجهاد بنفسه، وإن لم يكن ذا مال ويسار بعد أن يجد ما يبلغه، ومن قوي على القتال، وله مال فعليه الجهاد بالنفس والمال، ومن كان عاجزًا بنفسه معدمًا فعليه الجهاد بالنصح لله ولرسوله بقوله: {ليس على الضعفاء ولاعلى المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} وقال الزيلعي في تبيين الحقائق "وأحوال الناس مختلفة، فمنهم من يقدر على الجهاد بالنفس والمال، ومنهم من يقدر بأحدهما، وكل ذلك واجب؛ لقوله تعالى: {وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم}، وقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون} واستنكر ابن القيم تناقض البعض في أحكامهم، فيقول في هذا المعنى: "من أوجب على العاجز ببدنه أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه، ولم يوجب على المستطيع بماله أن يخرج ما يجاهد به الغير: فقوله ظاهر التناقض"وفي الموسوعة الفقهية" يجب على المسلمين أن لا يعطِّلوا الجهاد في سبيل الله، وأن يجهزوا لذلك الغزاة بما يلزمهم من عدَّة وعتاد وزاد، لقول الله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقوله عز وجل: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} وتجهيز الغزاة واجب المسلمين جميعًا، حكَّامًا ومحكومين، وهو من أعظم القرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا)) وإذا كان تقديم الدعم لأهل غزة المحاصرين ضربًا من ضروب الجهاد بالمال لدفع حالة الحصار، فإن ثمت واجبًا آخر يقع على عاتق الدول والشعوب المجاورة لغزة، وهو واجب القيام بحقوق الجوار، وكما أن للفرد جيرانًا، فللدول جيران، وللمدن جيران، وليس الجار هو الجار الأول، بل أوصله البعض إلى أربعين، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن جيران يتمتعون ويأكلون ويشربون ولهم جيران معدومون وهم يعلمون ذلك، فأخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه))

<<  <  ج: ص:  >  >>