وهكذا يلج صاحب هذا المنهج في باب اتباع المتشابهات وترك المحكمات، وقد علمنا ما جاء في هذا، وهو أمر لوحظ على أصحاب هذا المنهج، فكم من مسألة تكلموا فيها، فأفتوا بما يوجب تغيير الواقع الكائن، لا لأن الدليل هو الذي أوجب. ذهبوا به أوجه بعيدة جداً، لا يزال المرء في حيرة منها، فلم يكن يصلح دليلا لما ذهبوا إليه، لكنهم جروه معه جراً، وحمّلوه ما ينأى به عن حمله وينوء.
أصبح الاتجاه السلفي على فريقين: أحدهما ينتهج التغيير، والآخر لزم مكانه.
وفي طبيعة المنهج السلفي إنتاج أفراد متحررين من قيود الشيخ وسلطة الأستاذ؛ لأنه يربى أتباعه على اتباع الدليل، وترك الشيخ لو خالفه، وبهذا فإن كل من رأى نفسه قد تأهل، لم يجد حرجاً في أن يرد على هذا وهذا .. فإن أصاب فقد سلم، وإن أخطأ فقد تحمل.
لكن ليس هذا حديثنا، إنما في تزايد شقة الخلاف وكثرة الأقوال بين أبناء الاتجاه، يعود من ضمن ما يعود إليه من أسباب، إلى السبب الآنف الذكر. والسبب وإن كان محموداً، لكنه قد يستعمل بإساءة، كمن صلى يرائي.
* * *
إذا كنا لا نبطل عملية النظر في المسائل، وفي الوقت نفسه ننعى على من جعل منهجه التغيير، فقد وجب أن نحدد، متى يكون الأمر إعادة نظر محمودة، وفي أي حال يتطور ليكون منهجاً بدعياً؟.
هي مسألة كبرى، ونحن نشير إشارات، والكلمات لا تحصى، وإنما هي كلمة ..
إن إعادة النظر في المسائل لا يلزم منها نقد المنهج، بينما اتخاذ التغيير منهجاً، يعني إخضاع المنهج نفسه للتغيير، وهذا هو الخلل الكبير، فالمنهج هو الذي ميز الاتجاه السلفي، وجعل مكانه مكان المهيمن بالحق على جميع الاتجاهات، وأي تغيير فيه قضاء عليه.
والاتجاه السلفي يقوم على:
- إبراز أنواع التوحيد الثلاثة، خصوصاً الإلهي منها، وتطبيقها عملياً وعلمياً.
- وإبراز السنة الصحيحة، والعمل بها، واجتناب إبراز الضعيف منها والعمل بها.
- وتمييز الشرك والبدعة، من التوحيد والسنة.
- والاعتناء بمعرفة حدود الولاء والبراء، وتطبيقهما عملياً بعناية بالغة؛ إذ هما من معاقد التوحيد
- وتحديد مصدر التلقي في الكتاب والسنة بفهم الصحابة والصدر الأول من الأمة، وتقديمه.
- ويمنع من تقديم العقل على النقل، بل يرى أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، إنما يعارض لو نزلت مرتبة العقل عن وصف الصريح، أو مرتبة النقل عن وصف الصحيح.
- ويمنع من العمل بالكشف والذوق والمنامات، واتخاذها مصدرا لتلقي الأحكام الشرعية.
وأصول أخرى لا يتسنى المقام استيفاءها، إنما نذكر شيئاً وطرفاً مهماً منها، والقصد القول: أن هذا المنهج لا يمكن المساس به؛ كونه يمثل روح الدين وأساسه، الذي بني عليه، أما المسائل المندرجة تحته:
- فمنها ما يكون أصلا كفعل الصلاة، والحكم بما أنزل الله، ووجوب العمل للإيمان، فهذه الخطأ فيها خروج عن الحق، وإن كان لا يلزم منه الخروج على المنهج.
- ومنها ما يكون فرعاً، وهي أكثرها، كوجوب إعفاء اللحية مطلقاً، أو تحريم الإسبال مطلقاً، أو التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، فهذه لو أعيد النظر فيها للتحقق من سلامة الموقف والفتوى، فلا يظهر مانع من ذلك، ومثل ذلك الموقف من الواقعين في البدعة، وكيفية التعامل معهم، والتفريق بين مجرد الوقوع في البدعة، وتبني المناهج البدعية.