للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمشروع الإسلامي، لا يستمد مشروعيته في حكم الناس، إلا برضاهم، والدولة الإسلامية بالتالي، هي دولة مدنية كسائر المدنيات الأخرى، ليس لها من شرعية، إلا ما تستمده من شعبها، وشعبها هو صاحب السيادة عليها، والاستخلاف في الأرض ليس للدولة وإنما للأمة. واستخلاف الدولة متأت من الأمة. فليس في الإسلام سلطة دينية ثيوقراطية، بل هناك سلطة مدنية تقوم بتنفيذ القانون الإسلامي بوكالة عن الأمة ... وللأمة في أي وقت شاءت سحب وكالتها) (١).

٢ - يخلط الغنوشي بين إجماع علماء المسلمين، وبين إجماع الرأي العام أو الشعب، وقد تكرر هذا في كثير من تصريحاته ومن ذلك قوله: (إن الإجماع الذي عُدَّ في شريعة الإسلام مصدراً من مصادر الشريعة إلى الكتاب والسنة، هذا الإجماع هو دعوة صريحة إلى الاعتراف بالرأي العام، على اختلاف اتجاهاته وميوله الأصلية الثابتة ورعايته عند التشريع، وهذا العنصر البشري الذي دخل على الشريعة جزء منها ليس غريباً عنها، بل هو رشح من هديها ما ظلت الأمة متطهرة كادحة في طريق الله، فلا عجب عندئذ أن تنظر بنور الله، وأن تغدو رؤاها جزءاً من النبوة، فالحسن ما رأته حسناً) (٢).

فالأمة عنده: الرأي العام أو الشعب، بل إنه يصرح بأن {أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} هم الأمة والشعب، وذلك بقوله: (ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى أن {أُولِي الْأَمْرِ} ليسوا علماء الشريعة ضرورة، بل طائفة منهم ومن غيرهم ممن هم مطاعون في قومهم وأصنافهم، مثل زعماء الأحزاب والنقابات وغيرهم، ممن يحوزون على تمثيلية الأمة) (٣)، ولا يلزم عنده أن يكون هؤلاء مسلمين، (أما غير المسلمين من مواطني الدولة الإسلامية، وهم الذين رضوا بإعطاء ولاءهم كاملاً للدولة الإسلامية، واعترفوا واحترموا هويتها الإسلامية، فلا مانع من أن توكل إليهم الوظائف في أجهزة الدولة، وأن يكون لهم تمثيل في المؤسسة الشورية، وسيكونون قطعاً أقلية في حكم إسلامي يقوم على أكثرية إسلامية. وإن اشتراط أن يكون أولو الأمر من المسلمين - منكم - يمكن أن يحمل على أنه شرط تغليب، يقتضي أن تكون أغلبية أولي الأمر من المسلمين؛ لضمان عدم تحول الدولة عن أهدافها) (٤) (المهم هنا التأكيد على أن الهيئة الشورية في الدولة الإسلامية يمكن أن تضم أقلية أو أقليات غير إسلامية، وأن اشتراط الإسلامية إنما هو لأغلب أعضائها ولرئيس الدولة خاصة) (٥).


(١) علي العميم، العلمانية والممانعة الإسلامية، ص٢٤، دار الساقي
(٢) راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية، ص٢١
(٣) المصدر السابق، ص١٢٩، وهذا خلاف ما أجمع عليه علماء التفسير من أن المقصود من {أولي الأمر منكم} هم العلماء والأمراء من المسلمين.
(٤) المصدر السابق، ص١٣٠
(٥) المصدر السابق، ص١٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>