أمَّا عمر - رضي الله عنه- فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً - رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -رضي الله عنه- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -رضي الله عنه- ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في ((الفصل)) (٣/ ١٤٣): ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٢٨٢): ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك)) ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب - رضي الله عنهما-.
أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر -رضي الله عنه- قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت -أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -رضي الله عنه- من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (٧/ ٥٢٣): ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة})) والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (١/ ١٧٩).
لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على المسلمين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام:((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:٥١)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع)) (ص٣٢): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (١/ ٢٧٤): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))