ثالثاً: استشارة المرأة فيما يتعلق بشأنها كما استشار عمر حفصة جائز، من غير تَنْصيب في قضايا العامة ولا الرجال، وأن تكون الاستشارة من الحاكم أو نائبه، بالسبل التي تُجيز الشريعة التواصل بها، وأما نصبها يتلقى منها الناس الرأي وتَسْتضيف وتُستضاف للرأي العام فهذا لا يجوز في قول فقيه، وهذا يُنزّل على عضويتها في مجالس الشورى والبلديات.
وأما استشارتها في أمور العامة العارضة للاستئناس من غير تَنْصيب لتلك القضايا على الوجه والصفة المشروعة كالزوج من زوجته والأب من ابنته، والبعيد من البعيدة بضوابطه وصوره المحدودة، فهذا جائز، لأن النبي إنما شكى لزوجته أم سلمة عدم أخذ الناس بقوله فأشارت عليه لا بإنشاء رأيٍ وإنما كيف يستجيب الناس لرأيه السابق الذي أخذه وقضى الأمر فيه، ولم تكن بارزة للناس ففي البخاري: قال عمر: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، أخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك)).
رابعاً: إن نصب امرأة للشورى لقضايا العامة وفي جميع الشئون يلزم من ذلك محظورات شرعية من أظهرها:
١ - أن في هذا نوع ولاية عامة بهذا العموم، خاصة في نظام يأخذ بالتصويت الغالب وتُحسم الأمور به مهما كان نوع القائلين به، وقد قال تعالى:{الرجال قوامون على النساء} وهذا في قوامة الرجل على زوجته فكيف بالقوامة العامة، والله لم يجعل للمرأة ولاية على زوجها لحِكمة يُدركها المتأمل لخصائص الجنسين، ومن أظهر الحكم رقة الطبع والضعف الفطري في الشدائد، قال تعالى:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}، أي يضعُف فطرة عن المحاججة في النزاع هيبة وخجلاً، وهذا أمر يُعرف فطرة ولو كابرت فيه بعض النفوس فيُنكرونه عناداً باللسان ويُثبتونه عملاً فالنظام الغربي بجميع تشريعاته ومع أن النساء في الدول أكثر من الرجال عدداً ويُطلقون مساواة الجنسين من جميع الوجوه إلا أن نصيب النساء من الولايات واقعاً لا يُساوي ٥%، يجرون على الفطرة ولو أنكروها {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً}.
والضعف لا تختص المرأة به، فلو وُجد في رجلٍ كذلك لما جاز توليته، فروى مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً, وإني أحب لك ما أحب لنفسي, لا تتأمرن على اثنين, ولا تتولين مال يتيم)). فلا يُناسب تولي رقيق الطبع شأن العامة فيضعف رأيه تبعاً لرقته وضعفه خاصة في الاستشارة والرأي في فتنة حرب وأزمة اقتصاد فيضعف أو يبكي فتضعف هيبة الدولة أو يصدر قرار بعاطفة لا بعقل.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((لن يُفلح قوم ولو أمرهم امرأة)) وقد نص على الإجماع على هذا الحديث ابن حزم والجويني وابن تيمية وغيرهم، وقد فهم أبو بكرة وهو صحابي جليل أن معنى الحديث على جميع الولايات ولو قيادة صُلح بين فئتين.