للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعقيدة والشريعة المنزّلة ليس ملْكاً لنا، فالضغط الذي نراه اليوم قد يزول في ساعة، وأما الشريعة التي نرميها فلن تعود في قرن أو قرنين فدفع الشيء أولى من رفعه، والدول التي استجابت لضغوطِ تعري المرأة وحريتها في اللباس تعرت في عام أو عامين ولو أرادت العودة فلن تستتر كما كانت عليه في مائة عام.

يجب على كل مسئولٍ أن يستشعر أن قضايا الفكر والتشريعات والنُظم تختلف عن الممارسات الفردية في قدر الاستجابة للضغوط، فالمسئول مؤتمن على الفكر والتشريع أمام كل جيل يأتي بعده، أن يُسلِّمه له تاماً فالله يقول: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} فشهادته صلى الله عليه وسلم على كل الأجيال في ضبط تشريعهم، وأما الأفعال والانقياد فكل نفس بما كسبت رهينة، لأن أفعالهم وقتية وعينية.

يجب على كل مسئولٍ تحمّل ضغط البداية، فهو هو نفس ضغط النهاية، ودفع الحجر الأول من رأس هرم الشريعة = هو نفس دفع آخر حجر من أوسطه وآخره بذات القوة؛ فحافظ على الحجر الأول وأنت عزيز، قبل أن يزول آخر حجر وأنت ذليل، فلو استحللنا الزنا فسيكون الضغط على اللواط بنفس المقدار الذي نراه اليوم على الاختلاط والخلوة والحجاب، فهم يعلمون أن بحث الزنا وحليّته لا يستقيم في بلد يمنع الاختلاط، فيبدئون من أعلا الهرم، وهكذا تقول سياسة الهدم، وسيخلو موضع أول حجر فينتقل نظرهم إلى ما تحته .. وهكذا، فإن كنت على قناعة بزوال ما تحته مهما تسلسل فاستجب للإزالة الأولى، وإلا فلا تظلم جيلًا يأتي بعدك عبَّدت الطريق إليه بإزالة حجر سابق لينهزم فيُزيل اللاحق وهكذا كُلُّ جيل.

والشريعة واحدة والأجيال متعددة كلٌ يُسْقط حجراً منها بحجة أنه تنازل عن شيء ليحفظ أشياء، حتى تزول الشريعة الواحدة بأيدي أجيال متعددة، ولكن العالم كالنجم يرعى الشريعة اليوم لزمنه وأزمنة غيره، وأما المصالح الفردية والزمنية فلا يراها مُسوغاً لنقض دستور أمة، وأما قضايا الأفراد والتماس الرخص لهم والتيسير عليهم في أفعالهم فهو أرحم الخلق بهم.

ونقض النظم الثابتة المُحكمة العامة يلزم معه التسلسل، وتاريخ الغرب في داخله شاهدٌ أنه بدأ بشيء وانتهى بشيء مع تسلسل الأجيال.

والله قد بين أنهم في حال قدرتهم لن تنتهي مطالبهم إلا بالانسلاخ التام من الإسلام: {وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.

إن الغرب حينما يطلب منا انصاف المرأة، لديه مفهوم غير ما يُصوَّر لنا، وكثيراً ما تُثير منظمات وسياسات (وهي تُبيح زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة) على مسئولينا حقوق المرأة فيخجلون، وليتهم قالوا: ميِّزوا الأنثى من الذكر لنا حتى نُنصفها منه.

{واحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ* أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

قيّض الله لهذه البلاد عيناً حارسة في الدين والدنيا وألّف بين الحاكم والمحكوم على الخير والهدى، وإنْ أُريدُ إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>