للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - وطائفة أخرى لزمت الحياد، ووقفت وسطاً بين شتى المذاهب، يوماً يمانون، ويوماً عدنانيون. يسمع من ذا وذا ويُعجبه رأيُ ذا، وأصالة ذاك، وحُجة هذا، أو بريق مقولة الآخر .. وهكذا. يظن ذلك من الثقافة، ويؤزه على الاستمرار على هذا النهج مقولات من نحو: عدم احتكار الحقيقة، وأنه لا حق مُطلق، وحرية كل طرف في التعبير عن آرائه، واحتمال صوابية تلكم المقولات ... وما إلى ذلك من هذه الدعاوى الفضفاضة. وحين ينظر هؤلاء الإخوة إلى الآخر بهذه النظرة، ويطالبوننا بها؛ فياليتهم يُطالبون الآخر بها كذلك. فهذان طرفان لكلٍ منهما طريقةٌ ومذهب، فما مذهبُك أنت؟ وما هي طريقتك؟. إن الحياد بين الكفر والإيمان، والتردد بين صوابية أهل الإسلام أو أهل الكتاب، التردد الأعمى بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب، الليبرالية والسلفية، العلمانية والإسلامية، الديمقراطية والشرعية، الشيعة والسنة، البدعة والاتباع، الظالم والمظلوم .. الخ هذه الثنائيات= ليس بصواب، ولا هو دليل عمقٍ فكري، ولا يمتلك صاحبه اليقين الراسخ بحقائق الأمور. فهو يتمظهر بالثقافة والحياد، والحياد بعد ظهور الحق= توسُّطٌ بين الحق والباطل، وهو مذموم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) وفي التنزيل الحكيم: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: ٩] فأمر بالحياد والإصلاح حتى تظهر مخالفةُ العدل والصواب؛ وحينها يجيء الأمر بالانحياز إلى الحق وأهله، ونُصرتهم على من ناوأهم.

٦ - لبعض الناس في نصرة الحق طريقةٌ عجيبة، فهم أبداً مع المنتصر، ولديهم قدرةٌ عجيبة على أن يُبصروا النقطة السوداء في الثوب الأبيض، متى ما كان ذلك يحقق لهم رضا من يُريدون رضاه، وهم كذلك يُبصرون النقطة البيضاء في الثوب الأسود، ويدَّعون أن هذا مقتضى الإنصاف .. فاحذر من هذه المسالك، فإنها لا تزيد أصحابها إلا قُبحاً!! وهو نوعٌ من التأكُّل بالمبادئ، والعياذ بالله.

٧ - الشيطان الأخرس أضعف وأقل شراً من الشيطان الناطق، وبعض الخُرس عن الحق يسكتون دهراً ثُم ينطقون فُجراً، وحينئذ يحسُن أن تقول: ليته سكت ..

٨ - أهل العلم والعدل، والمعرفة العميقة بالذات وبالآخر من أهل الدين الحق لا يزيدهم مخالفة المخالف لهم، وهُزؤه بمبادئهم إلا إيماناً وتثبيتاً. {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: ٣١] انظر كيف جعل في نفس الأمر الذي فيه الفتنة على الكافرين زيادةً في إيمان المؤمنين، واطمئناناً لمن كان منصفاً ممن نزل عليهم الكتاب من قبله.

إن أهل الإنصاف المزعوم، والتوسُّط في غير محله = مداهنون؛ يظنون أن أسلوب المجاملة والتملُّق نافعٌ في كل حين، وهو دليل ضعفٍ في شخصياتهم، وضمور في يقينهم. وهذا الداء قد استشرى في هذا الزمان، ووصل إلى فئام كثيرةٍ من الناس؛ فتفقد نفسك يا أخي، فلعلك تُخلِّصها من بعض رواسب هذا المرض العُضال، سلَّمك الله من كل شر.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون .. اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>