لكن هل هذا التصور موجود عندنا نحن المسلمين؟ لا، طبعاً فنحن المسلمين نعتبر العدوان على الله ورسوله أعظم من العدوان على حق شخصي، لأن الله ورسوله أعظم في نفوسنا من كل أحد، بخلاف هذا الغربي المسكين الذي لا يعظم إلا نفسه، فالرأي المنحرف في ميزان الشريعة قد يكون أخطر من الفعل المنحرف، والعدوان بالرأي على الشريعة، قد يكون أعظم من العدوان بالفعل على المسلمين، وقد وضح هذا ابو العباس ابن تيمية حيث يقول:
(والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد .. ، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقتل من كان يحاربه باللسان، مع استبقائه بعض من حاربه باليد .. ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد)[ابن تيمية، الصارم المسلول، ٣/ ٧٣٥، ت الحلواني وزميله].
فتأمل كيف جعل ابن تيمية عدوان الكلمة أضر على الشريعة من عدوان اليد في كثير من الأحيان، ثم قارن ذلك بالعبارة الليبرالية (تكلم لكن لا تمد يدك).
وهكذا أيضاً تجد التأزمات الحديثة مع منظومة التشريعات المخالفة لغلو الحرية في الثقافة الليبرالية، مثل: عقوبة المرتد، وأحكام أهل الذمة، وجهاد الطلب، الخ.
ومع ذلك كله .. فكلا الشريحتان، أعني ضحايا الاستبداد الداخلي، وضحايا الاستبداد الخارجي؛ يحتاجان من دعاة الإسلام إلى الرفق والهدوء، وأن يوضحوا لضحايا الاستبدادين كيف يخرجون من هذا الخنوع الذي يعيشونه؟ وكيف يتنفسون الاستقلال الحقيقي المتكامل؟ وكيف يتحررون من كافة أشكال الاستبداد؟.بحيث لا يرضى المثقف المسلم بأن يكون رقيقاً لمستبد داخلي يشرعن أوامره الهرقلية، ولا رقيقاً لمستبد خارجي يشرعن ثقافته الليبرالية.
وما أكثر ما يكون ضحية الاستبداد غير واعٍ بحاله، يتوهم أنه مستقل وهو يرسف في الأصفاد منذ أزمان ..
وأهم وسائل العلاج على الإطلاق: ضخ مفاهيم العزة والكرامة والإباء والشموخ وقيمة المسلم ونحو هذه المنظومة المفاهيمية، بحيث يتأبى من نشأ في مثل هذه الثقافة العزيزة الشامخة أن يخنع وينصاع لمستبد داخلي لا يراك أهلاً لأن تشارك في القرار، ويطلب منك أن تمد معاريضك فقط، أو مستبد خارجي لا يراك أهلاً لأن يكون لك منظومتك التشريعية الخاصة، فيهينك لكي تكون تبعاً له تؤمن بالحرية الليبرالية والديمقراطية وتؤول نصوص الله ورسوله لكي تتوافق مع ثقافته الغربية.