للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن للصوفية ولعاً بالنساء؛ حتى استحلَّ بعضهم مؤاخاة النساء والخلوة بهنَّ (١). والقوم تحرِّكهم العاطفة والسماع، ويؤثرون التواجد والرقص كالنساء، ويعشقون الأصوات الحسنة والصور الجميلة (٢).

وسأكتفي بمثالين على حُجُب الصوفية:

أولاهما: أن أبا الحسن الباهلي (تلميذ أبي الحسن الأشعري) كان يحتجب عن الرجال، فكان تلاميذه كالباقلاني وابن فورك يحضرون درسه، وقد أرخى الستر كي لا يروه! ولما سألوه عن ذلك، أجاب: إنهم يرون السُّوقة (وهم أهل الغفلة) فيروني بالعين التي يرون أولئك بها (٣).

وهذا أنموذج لفساد الورع والتعبُّد المتنطَِّع، وإلا فقد كان سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - يعاين الكفرة كفرعون هذه الأمة أبي جهل وغيره من أئمة الكفر، ويغشى أسواق قريش، ويطوف بالكعبة وحولها ستون وثلاثمائة صنم.

وثانيهما: ما ادَّعاه أبو حامد الغزالي في إحيائه حيث قال: «مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بالخلوة في مكان مظلم، فإن لم يكن مكان مظلم فيلفُّ رأسه في جبَّة، أو يتدثر بكساء أو إزار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال حضرة الربوبية».

وقد تعقَّب ابن الجوزي هذا الصنيع فقال: «انظر إلى هذه الترتيبات، والعَجَب كيف تصدر من فقيه عالم! ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق، وأن الذي يشاهده جلال الربوبية، وما يؤمِّنه أن يكون ما يجده من الوساوس والخيالات: الماليخويا (٤)، وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس؛ إلا أنه إذا تغشى بثوبه وغمض عينيه تخايل هذه الأشياء .. نعوذ بالله من هذه الوساوس والخيالات الفاسدة» (٥).

وخيالات وأوهام الغزالي - عفا الله عنه - تعكس نكوصه عن نوازل عصره، وتنصُّله عن الالتفات إليها، فإن «الإحياء» ألَّفه زمن الحروب الصليبية الأولى .. ومع ذلك فالغزالي غارق في خلواته، متيَّم بالتدثر. فلم يُقِم لهذه الحروب وزناً ولا أثراً.

ثم إن هذه الأحوال لا تحقق علماً نافعاً، ولا عملاً صالحاً، وإنما هي أوهام وسلوب لا حقيقة لها في الأعيان.

وما أجمل ما حكاه ابن تيمية قائلاً: «غاية كلام الغزالي في السلوك ينتهي إلى التعطيل؛ ولهذا ذاكرني مرة شيخ جليل له معرفة وسلوك وعلم في هذا، فقال: كلام أبي حامد يشوقك فتسير خلفه منزلاً من منزل، فإذا هو ينتهي إلى لا شيء» (٦).

والناظر إلى أحوال الصوفية وسلوكهم، يجد أن كثرة التنقلات هو دأبهم، وأن تفسُّخ العزائم ونقض الهمم غالب عليهم مع كثرة دعاويهم المثالية الجامحة .. فقد تشددوا في العبادة ثم أعقب ذلك التحلل والفجور، وتنطعوا في دقائق الورع ثم انهمكوا في أكل أموال الناس بالباطل كما هو مبسوط في موضعه، وكذا الحجاب والاستتار، فقد آل الأمر بمتأخريهم إلى التجرُّد من الثياب وكشف العورات كما في مجاذيبهم؛ فمنهم من أطربه السماع، فمزق الثياب، وخرج عارياً إلى الصحراء (٧)، ومنهم «شعبان المجذوب كان عرياناً لا يلبس إلا قطعة جلد يغطي قُبُله ودُبُره فقط .. وكانت الخلائق تعدُّ رؤيته عيداً» (٨)!

ومن بوائق زنادقة الصوفية أن «الفاجر» التلمساني يجيز نكاح المحارم، ويقول: الجميع عندنا حلال - يعني نكاح الأم والأجنبية - ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم (٩).


(١) انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي ص٤٢١، ومجموع الفتاوى لابن تيمية: ١١/ ٤٠٥، ٥٠٥، ٥٣٧. ٣٢/ ٢٤٨.
(٢) انظر الاستقامة: ١/ ٣٠٥ - ٣١٩.
(٣) انظر: طبقات السبكي: ٣/ ٣٦٩.
(٤) مرض عقلي يورث فساداً في التفكير، وخللاً في التصورات.
(٥) تلبيس إبليس، ص٣٢٣ = باختصار.
(٦) النبوات: ١/ ٣٨٧.
(٧) رؤية شرعية في الطبقات الكبرى للشعراني لأكرم عصبان، ص٢١٩.
(٨) المرجع السابق، ص٢٤٤.
(٩) انظر: الجواب الصحيح: ٣/ ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>