للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتبرك معناه: طلب البركة، وهي زيادة الخير، ويكون بالأعمال كالصلاة والصيام والصدقة وكل أمر شرعه الله ففيه بركة الأجر والثواب، ويكون بالذوات وآثارها، وقد تقدم أن ما كان بذات النبي صلى الله عليه وسلم وما لامسها أنه جائز، والشيخ في كتابه هذا إنما يعني التبرك بالذوات سواءً لامست جسده أم لا، ولذا ذكر جواز التبرك بالمكان في الصفحات: (٢٥،٢٤،٢٣،١٦)، وجواز التبرك بالمواضع والآثار ذكره صفحة (١٧)، والتبرك بالمسح على رمانة المنبر ذكره صفحة: (١٣ و ٢٥)، ومما يدل على أنَّ الشيخ - عفا الله عنه - يخلط بين هذين المعنيين ما قاله عن قول عتبان رضي الله عنه لما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته: ((فأتخذه مصلى)) - وسيأتي الكلام عنه -، قال عنه تارة (ص١٥): ((ومعنى قول عتبان هذا: لأتبرك بالصلاة في المكان الذي ستصلي فيه)) وقال (ص٢٣): ((أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عتبان على التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم)) فهو تارة يجعل التبرك بالصلاة وتارة يجعله بالمكان.

وقد استدل الشيخ على صحة دعواه بستة أدلة:

الأول:

حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه وطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى ففعل عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين.

الثاني:

حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وأنه كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عندها. والحديث في الصحيحين.

الثالث:

تحري الصحابة رضي الله عنهم الصلاة عند أسطوانة عائشة رضي الله عنها. وهو حديث منكر سيأتي الكلام عنه.

الرابع:

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأنه كان يأتي مسجد الفتح ويدعو عنده، وسيأتي الكلام عنه.

الخامس:

ما ورد من تتبع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما للأماكن النبوية تبركاً بها.

السادس:

ما نُقل عن بعض أئمة السلف، كمالك وأحمد والبخاري.

وقبل الإجابة على هذه الأدلة أو الشبهات، لابد من التأكيد على أنَّ جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى الذي ذكره المؤلف، ليس مما قال به أحدٌ من سلف الأمة، بل ولا قال به أحدٌ من الأئمة الكبار عند سبر أقوالهم ومدلولاتها، وليس هو من باب ما يسوغ فيه الاجتهاد، ولذا فإن الرد على هذه الشبهات لا يتعلق بتصحيح حديث اختلف المحدثون فيه، ولا بتوثيق رجل اختلف علماء الجرح والتعديل في شأنه، ولا هو بمأخذ في دلالة لفظة، حمالة أوجه، وإنما هو في تصور الدلالة وانطباقها على الواقع، الأمر الذي غاب عن الشيخ - غفر الله له -، وأنا على يقين تام بأنه لو تأملها، لرجع عن قوله، كيف لا؟! وهو المعروف بدفاعه عن السنة، وذوده عن حياضها في مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

والرد على ما ذكره واستدل به الشيخ سيكون إن شاء الله على وجهين: مجمل، ومفصل:

فأما المجمل، فيقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>