ثم إن صاحب المولد صلى الله عليه وسلم لم يُضِفْ إلى الصيامِ احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد من تجمعاتٍ ومدائحَ وذبائحَ وحلوى وحمص وأذكارٍ وصلواتٍ عليه صلى الله عليه وسلم بألفاظٍ غريبةٍ ومحدثة.
ثم سألت نفسي: أفلا يكفي الأمةَ ما كفى نبيَّها، ألسنا نحب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ?وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?.
ومن عجيب ما قرأت ورأيت في بعض البلدان العربية والإسلامية أنهم يحتفلون بالمولد بإقامة حفلات غنائية أو إنشادية تصحبها دفوف ومعازف موسيقية.
فقلت في نفسي: أليس المصطفى صلى الله عليه وسلم قال «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف». رواه البخاري تعليقا ووصله غيره، وهو صحيح.
لقد رأيتهم يتراقصون ويتمايلون ويتواثبون، لقد كانوا رجالا ونساء، أيعقل هذا؟!.تساءلت أيرضى أحدهم أن يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحال؟!
يا راقصا أو زاحفا لتَعَبّدٍ ** ما كان هذا من صنيع محمد
ما كان يرقص بالدفوف عبادة ** أو كان يزحف للقبور بمسجد
ثم أعدت السؤال على نفسي مرة أخرى:
لماذا لا أحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة أخرى؟ بلا معازف، ولا رقص، ولا بردة.
سأفرح بيوم ميلاده صلى الله عليه وسلم، وسأحتفل - كما احتفل صاحب المولد صلى الله عليه وسلم - كل إثنينٍ بصيامه كل أسبوع قدر استطاعتي.
حسنا .. أمسكت بكتاب آخر عن الشمائل المحمدية وبدأت أقرأ فيه، فاليوم هو الثاني عشر من ربيع الأول.
لكن عقلي شرد سابحا في تفكير عميق: يا ترى هل سأقتصر على قراءة كتب السير والشمائل المحمدية في هذا اليوم السنوي فقط؟!
يا ألله! هل حبي وكثرة ذكري للنبي صلى الله عليه وسلم فقط في هذا اليوم؟! .. ألست أحبه وأذكره كل يوم؟! أيُّ معنىً لتخصيص يومٍ واحدٍ في السنة نتذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
هل نسيناه حتى نتذكره؟!
هل يجوز ألَّا نفرح به صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة في السنة؟
هل هذه الطريقة فيها توقير للمصطفى صلى الله عليه وسلم أم أنها إجحاف بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم؟
هل أصبحت محبة النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في السنة؟! وهو القائل: «البخيلُ مَنْ ذُكِرتُ عنده ولم يُصَلِّ عليَّ».
فبالله عليكم! أي بخل تصفون به من يقول نخصص للنبي صلى الله عليه وسلم يوماً واحداً أو يومين أو ثلاثًا أو عشرًا أو عددًا محدودًا في السنة نحتفل به صلى الله عليه وسلم ونقرأ سيرته، ونصلي عليه صلى الله عليه وسلم؟ أليس هذا بُخلاً وإجحافًا في حقِّ نبينا الهادي صلى الله عليه وسلم؟!.
يجب على الأمة المسلمة أن تجعل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نصب أعينها في كل حين، وأن تتعلم من سيرته وسنته وآدابه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
ينبغي أن نذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاتنا، وإذا سمعنا الأذان، وإذا دخلنا المسجد، ونذكره في أوقات كثيرة، بل يكون ذكره صلى الله عليه وسلم برؤية من يمتثل سنته صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً إذا رأيتَ شاباً مؤمناً يتمثل في مظهره سنة صلى الله عليه وسلم معفياً لحيته، مقصراً ثوبه، مستاكاً بأراكه، فإنك سرعان ما تتذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا رأيت القرآن تذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي جاءنا بهذا القرآن، فمتى يغفل المؤمن عن ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم!!
فيجب علينا أن تكون محبته صلى الله عليه وسلم تملك شغاف قلوبنا، وكل أمر من أمورنا نزنها بميزانه، ونطبقه على سنته صلى الله عليه وسلم، فيكون تذكرنا له في الحقيقة في كل وقت، وفي كل عمل.