من يتحدث عن ضرورة تقديم صورة حسنة للغربيين، وأن الحديث عن حدٍّ للمرتد في زمان شيوع ثقافة الحريات الدينية وقيام النظم السياسية الغربية على حمايتها، يقدم صورة مشوَّهة عن الإسلام ... إلخ. هذا هو الكلام الذي يقال في كثيرٍ من أحكامنا الشرعية، ومع ذلك ما تزال دعوة الإسلام تنتشر في الأوساط الغربية بشكل مذهل؛ وهو ما يعني أن وَهْمَ التشويه الذي يتحدث عنه هؤلاء الناس محض خيالٍ علمي، وهو قائم على تصوُّر غارقٍ في الوهم؛ بأن تحسين صورة الإسلام؛ ولو بإخفاء وتغيير الحقيقة سيوقف خصوم الإسلام عن مواصلة التشويه.
والتاسع: يشيع (الرعب) و (الذعر) من أن تقرير مثل هذا (الحكم) سيكون سبباً لاستغلال بعض النظم السياسية له في سبيل القضاء على مخالفيهم وخصوماتهم: فحين يأتي بعض الناس فيسيء تطبيق حكمٍ شرعيٍّ مَّا، فالحل في هذا النظر العقلي أن يُلغَى الحكم الشرعي كله.
ويأتي بعضهم: فينفي هذا الحكم لمعارضته لأصلٍ قطعي مُحكَم هو (الحريات)، وهذا الانحراف مركَّب من وجهين:
الأوَّل: أنه يضرب بالأصول الكلية على هامَة الأحكام الفرعية، مع أن الأصول إنما تثبت من خلال اجتماع الفروع؛ وإلا فعلى هذه العقلية من التفكير يمكن أن ننفي حكم الربا؛ لأنه معارض لأصل قطعي هو (حِلُّ البيع)، وننفي حكم شرب الخمر والميتة ولحم الخنزير؛ لأنه معارض لأصل قطعي هو (حِلُّ الطعام).
والثاني: أنه جاء بمفهوم غربي معاصر هو (الحريات) ليجعلَه أصلاً شرعياً، قطعياً أيضاً.
تلك عَشْرَة كاملة، هي أبرز وسائل البحوث المعاصرة (للتخلُّص) من هذا الحكم الشرعي، قد اجتمعت فيها منابت الانحراف المعاصرة من جذورِ بقاعٍ شتى، حضر فيها (منكِر) السُّنة، و (مضيِّق) العمل بها، و (مقطِّع أوصالها)، ومن يعطل الأحكام الشرعية بدعوى (الخلاف) أو (المصلحة)، ومن يعارض الأحكام الشرعية بأصول فكرية محدَثَة، ومن (يخاف) من الحكم الشرعي أو (يخاف عليه)؛ فأصبح النظر إلى هذا الحكم (جامعاً) للانحرافات الفكرية المعاصرة، وحين يأتي المسلم فيقرر هذا الحكم كما جاء في النصوص الشرعية وبما نقله كافة الفقهاء، فإنه يسجل شهادة خير لنفسه، ليحمد الله عليها لسلامته وبُعْدِه عن مثل هذه الانحرافات التي عم بها البلاء.