قال ابن تيمية رحمه الله:(تجد مَن أَكْثَرَ من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير)(١).
وهذه مشكلة أخرى نجدها عن بعض المنتسبين للفكر الإسلامي من دهاقنة الفكر ورموزه في هذا الزمان، فقد يتطرق بعض المهتمين بالفكر بذكر بعض الجوانب الأخلاقية والسياسية والإنسانية والاجتماعية وغيرها في مقالاته وكتاباته وكتبه، وقد يذكر عشرات الأقوال من المفكرين الغربيين واليونانيين وغيرهم، ونجد من الضآلة بمكان أن يتذكر آية أو حديثاً يذكره في ثنايا بحثه وكتبه ومقاله، ولولا أنني لا أريد التسمية لسميت عدداً من هؤلاء يتقنون فنون ذكر أقوال الكفرة والملحدين من المحسوبين على الفلسفة والمنطق الكلامي، وقلَّما يذكرون آيات من كتاب الله أو سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بدعوى أنّ الآية حمَّالة أوجه، وأنَّ الحديث قد يكون ضعيفاً!
فيا سبحان الله! إن كانت الآيات حمَّالة أوجه والأحاديث قد تكون ضعيفة أو خبر آحاد (كما يزعم بعضهم) فلم الاستشهاد الكبير والغوص والتنقيب عن أقوال عدد من الكتاب والمفكرين اليونان، ورموز المدارس الكلامية والليبرالية الغربية، واستخراجها ومحاولة بعثها من جديد؟! أم أنَّ كلامهم ليس حمَّالاً لأوجه؟! وأقوالهم ليست إلاَّ من قبيل آحادهم وأفرادهم والتي قد يصيبون فيها ويخطئون!
ومن العجائب والغرائب كذلك أن نجدهم يقولون إنَّ ذكرنا لكلام هؤلاء الغربيين والفلاسفة اليونانيين وغيرهم، لكي يعرف الغربيون أنَّنا نعرف واقعهم، ونتحدث بلغة مفكِّريهم، وما علموا وللأسف الشديد أنَّ كثيراً منهم ـ ولا أقول الكل ـ قد يستخدم أقوال هؤلاء بما قد يستدل به على مفهوم فهمه يكون خاطئاً أو معارضاً لكتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولأجل ذلك وجدنا الكثير من العبارات التي يقولها بعض الناس وما دروا خطورة قولها مع علمي أنَّ بعض من قالها من بعض الفضلاء ولكنَّهم يقولون كلاماً يحتاج لإعادة نظر حينما يتحدثون عن (ديموقراطية الإسلام، ليبراليَّة الإسلامية، اشتراكية الإسلام، الرومانسية الإسلامية) والإشكال الكبير أنَّ كثيراً من منطلقات هؤلاء بالفعل يرونها منطلقات إسلاميَّة ولكنَّهم ما علموا أنَّ هذه العبارات ما هي إلاَّ بعض مما تسلَّق على ذاكرتهم أثناء قراءتهم في أفكار الآخرين!
بل وجدنا واحداً ممن يعتبرون أنفسهم من تيار التنوير الإسلامي، يقول في مقال له بعنوان:(وثنيون هم عبدة النصوص) ويزري على الناس وبعض المهتمين بالمجالات الكتابية والذين يقولون ليتنا نرى في بعض مقالات بعض المفكِّرين نصوصاً قرآنية أو أحاديث نبويَّة مذكورة في مقالاتهم، وبدلاً من أن يشكرهم على نصيحتهم له، يعدُّهم كالوثنيين الذين يعبدون القبور ويشركون بالله، فيتهمهم ويصمهم بأنَّهم وثنيون لأنَّهم على حد زعمه:(عبدة نصوص)!!