للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن بالفعل بحاجة ماسَّة لمن يستخدم عقله في الفكر الصحيح، وأن يكون على مستوى المسؤولية في مناقشة أفكار الآخرين من المستغربين والمتفرنجين، فضلاً عن دعاوى المفكرين الغربيين أو اليونانيين المتأثرين بالفلسفة اليونانيَّة ومنطق الإغريق!

ولكن ليس بالإقبال الكبير على الفلسفة والفكر الغربي والتغريبي وضعف مطالعة كتاب الله والسنن والآثار، والتي تؤدي بالشخص في نهاية أمره إلى الشك والضعف في مناقشة أقوال الفلاسفة بل الوقوع في مخالفة السنَّة، لأجل ذلك يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي: (ما جهل الناس واختلفوا إلاَّ لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطاطليس) (١) ونحن بحاجة للفكرة التي تغرس لدينا المفاهيم، وتصنع لنا القيم، وتستنبط لنا من النصوص روافد فكريَّة منضبطة، فإنَّ (الفكرة قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكّر جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلاّ فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب) (٢) هكذا يقول الراغب الأصبهاني.

ولَكَم شاهدنا في الحقيقة تأثير الكتابات الفكريَّة المعمَّقة والتي تأثَّر بها كثير من شباب الإسلام، وكان لها تأثير كبير على المفكرين المسلمين وغير المسلمين، لكنَّنا بحاجة ماسة إلى الشخصيات التي جمعت شيئاً كبيراً من العلم الشرعي وأوعبت منه مع حسن الفهم والهضم للمعلومات، وتنمية وتربية الملكات، ومن ثمَّ القيام بدراسات تأصيليَّة في مجال الفكر والفلسفة، مع ضرورة وضع خطَّة منهجيَّة علميَّة في التأصيل الفكري كما هو حاصل في التأصيل الشرعي، لكي يتوجَّه بعض الشباب المريد لمثل هذه التخصُّصات من خلال نصيحة خبراء أصحاب منهج وتربية وتوجيه، مع عناية ورعاية، لكي يختصروا عليهم الطريق، ولا يتخبطوا خبط عشواء وحتَّى لا يميلوا مع أخطاء بعض الفلاسفة والمفكرين، بل تكون بنيتهم الفكريَّة ذات أصل وعمق.

وختاماً: فليس لدي مقصد من هذا المقال إلاَّ التنبيه على ضرورة العودة إلى كتاب الله وما صحَّ من سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ووجوبها، للنهل منهما والارتواء من معينهما، ففيهما الشفاء لكل داء، وفيهما الصلاح لكل فساد، وبهما الحق لدحر كل باطل، وفيهما خطاب العقل، ومنظومة المفاهيم والقيم، فمن تربَّى عليهما وعلى مائدتهما ونال منهما قسطاً ونصيباً، فإنَّه ستنهمر على عقله منهما أفكار رائعة، ومعاني خلاَّقة. وبالله المستعان.


(١) فضل علم السلف على علم الخلف، لابن رجب، ص٩٩
(٢) مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني ص ٨٣، ٦٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>