صحيح أن الناس متساوون، ولكن الأفراد ليسوا متساوين، فتساوي حقوقهم وهمٌ من الأوهام، ومن ثم لا يجب أن يتساوى ضعيف العقل مع الرجل العبقري أمام القانون ... ومن خطل الرأي أن يعطوا (أي: الأغبياء) قوة الانتخاب نفسها التي تعطى للأفراد مكتملي النمو، كذلك فإن الجنسين لا يتساويان، فإهمال انعدام المساواة أمر خطير جداً، لقد ساهم مبدأ الديمقراطية في انهيار الحضارة بمعارضة نمو الشخص الممتاز ... ولما كان من المستحيل الارتفاع بالطبقات الدنيا، فقد كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق المساواة الديمقراطية بين الناس هي الانخفاض بالجميع إلى المستوى الأدنى، وهكذا اختفت الشخصية.
ويؤيد رأيه هذا ما يقع فعلاً في الدول الديمقراطية عند الاقتراع على قضية اقتصادية مثلاً، حيث يكون نصيب عالم الاقتصاد الضليع صوتاً واحداً فقط، وهو ما يحصل عليه الفرد المتوسط أو الجاهل، وغالباً ما تكون النتيجة في غير صالح الأفراد الممتازين بسبب انسياق عامة الشعب وراء عواطفهم وخضوهم للتضليل الدعائي.
٧ - تعارض المصلحة الذاتية للفرد والجماعة:
هذا العيب يلقي ضوءاً على المحك الذي يظهر حقيقة أي نظام أرضي بشري، فالديمقراطية تدعى أنها النظام الأمثل لتحقيق المصلحة الفردية والجماعية بإتاحتها الفرصة للحصول عليها بطريقة قانونية.
لكن المشكلة تكمن في تعارض مصلحة الفرد ذاته - وكذلك الجماعة - بين اتخاذ هذا القرار أو ضده، إذ هو لا يستطيع التوفيق بين مطالبه الخاصة، كما أنه لا يستطيع التيقن من كون نتيجة القرار ستحقق هذه المطالب أو تنفيها.
ولنأخذ مسألة رفع الأجور مثلاً لذلك:
تطالب نقابات العمال دائماً برفع الأجور - لكي تكسب أصواتهم - وهي إذ تطالب بذلك تعلم يقيناً أن رفعها يحقق للعمال مصلحة من جهة، لكنه يفوتها من جهة أخرى؛ لأنه يكون مصحوباً بارتفاع الأسعار.
ومن ناحية أخرى يقول بيكر في سياق نقده لأسلوب التمثيل:
إن الناس جميعاً لهم مصالح كثيرة متعددة، حيث لا يمكن لجانب منها أن ينمو ويطرد إلا بسن تشريع يحقق هذا الغرض، ولكن هذا التشريع يسن على حساب الآخرين، فالزراع والعمال مثلاً هم المنتجون والمستهلكون في وقت معاً، فهم كمنتجين يتطلعون إلى أسعار أعلى من تلك التي يبيعون بها منتجاتهم، ولكنهم كمستهلكين يتطلعون إلى أسعار أقل من تلك التي يشترون بها حاجياتهم.
هذه بعض العيوب التي لاحظها بعض الكتاب الديمقراطيون على الديمقراطية في المبدأ والتطبيق، وقد حاول كاتبان فرنسيان صياغتها في عبارات موجزة فكان مما استنتجاه:
١ - الصراعات الدائمة بين الأحزاب المنقسمة على بعضها.
٢ - الحكومات التي لم يتجاوز متوسط بقائها في الحكم طيلة نصف قرن ثمانية أشهر.
٣ - المنافسات الحمقاء بين المواطنين.
٤ - عدم وجود سياسة متجانسة لمدى طويل.
٥ - البطء الشديد في تقدم مستوى حياة الجماهير، سياسة الإسكان، عدم كفاية التربية المدنية والاقتصادية والاجتماعية.
وملاحظة هذه المساوئ هي التي دفعت بالكاتب الإنجليزي أ. د لندساس إلى القول: "إن هناك دائماً هوةً رهيبةً بين النظريات الرفيعة عن الديمقراطية التي نقرأ عنها في كتب النظريات السياسية، وبين وقائع السياسة الفعلية".
ومع أن كل هذه الانتقادات لم تنفذ إلى لب المشكلة وأساسها المتمثل في الحكم بغير ما أنزل الله وعبادة الأهواء والشهوات من دونه؛ فإنها ترشد إلى فداحة الخطب وشناعة الغلطة التي وقع فيها المجتمع الغربي بتنكره للحق وتمرده على الله استكباراً وغروراً) انتهى
وفي تصوري أن هناك عدداً من العلماء والمفكرين الآخرين - لم يذكرهم الدكتور سفر- ممن اعترض على النظام الديمقراطي وبيبنوا عيوبه النظامية والمهيمنة .. ويجد القارئ عدداً من النقود في كتاب (نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية , محمد أحمد مفتي) ولو جُمعت في مؤلف واحد لكشفت لنا الصورة بشكل كبير .. وبينت أن المبالغة في مدح النظام الديمقراطي بصورته الغربية هو الذي يمثل حالة الشذوذ الفكري!!.
ومن المتوقع أن يعترض بعض المتحمسين للنظام الديمقراطي الغربي .. فيقول: إن كان بعض المفكرين الغربيين نقدوا الديمقراطية فهناك عشرات غيرهم مدحوها وأثنوا عليها؟!!
وهذا صحيح .. ولكن هذا لا ينفع؛ لأن قضية الحوار منحصرة في نقد من يصور الاتجاه الناقد للديمقراطية بأنه اتجاه شاذ مخالف للضرورة العالمية، ويصوره بأنه ناتج عن جهل وسطحية في التفكير .. فهذا التصوير ينكشف خطؤه بإثبات أن نقد الديمقراطية ليس موقفاً خاصا بالاتجاه السلفي فقط .. بل هو موقف وقفه كثير من المفكرين الإسلاميين والغربيين, فلماذا يصور بأنه موقف شاذ سطحي بسيط؟!!.