وإذا نظرنا في القرآن فإننا نجد أن التفكير ليس محمودا لذاته بل بإصابته الحق وربما كان مذموما إذا كان جدلا بالباطل وإتباعا للهوى، قال تعالى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}[سورة الزخرف:٥٧]{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[سورة الزخرف:٥٨].
ومن الحالات التي يكون التفكير فيها محمودا إذا صدر من أهل للاجتهاد وبذل صاحبه وسعه في ذلك وسعى لإصابة الحق ولكنه لم يوفق، فهذا مجتهد له أجر واحد لاجتهاده، وخطؤه مغفور. وكما ترى ففي هذا الحالة وفيما قبلها من حالات يكون صاحب التفكير ملتزما في تفكيره بضوابط متصلة بموضوع التفكير وليس تفكيرا منفلتا لا ضوابط له، أو تفكيرا حرا كما يزعمون. وهذا النوع من التفكير ربما حمد من صاحبه في الفكر الغربي في بعض أنواع الأدب والفن كما سبق، وقضايا الشريعة ليست من هذا الباب وإنما هي من مسائل العلم التي ينبغي أن ينضبط فيها البحث والتفكير بمناهجها اللائقة بها.
وهؤلاء الزاعمون حرية التفكير المنتقدون للشريعة المبدلون لأحكامها، ليسوا في الحقيقة أحرارا في تفكيرهم، وإنما هم مقلدون لسواهم ويحتكمون لمرجعيات قررها غيرهم. فهم يريدون تحكيم واقعهم أو بعض أوليات الفكر الغربي، كحقوق الإنسان أو الليبرالية والديمقراطية، وإدراجها في أحكام الشريعة. وهذا ليس حرية في الفكر وليس تجديدا ولا إبداعا، بل هو تحريف ومسخ.