والكثير الكثير لو اراد المنصف أن يقرأ منجزات الصحوة، فقارن ذلك كله بمنجزات المدارس الفكرية الأخرى: العلمانيين، والليبراليين، والتنويريين، وأدعياء الوسطية، ومتفقهة التغريب، والديمقراطيين، وأدعياء الاصلاح السياسي، والوطنيين؟!
أنتم الذين ماذا قدمتم بالميزان الشرعي؟!
أنتم بتهكمكم بالقضايا العقدية والفقهية صرتم جزءاً من المشكلة بدل أن تكونوا جزءاً من الحل، تطالبوننا بأن نحتسب على السياسي، المفروض الآن هو الاحتساب عليكم من تحريفكم للشريعة قبل أن نحتسب على السياسي، فخطر أهل الأهواء أشنع وأفظع من خطر أئمة الجور، كما ذكره الإمام مالك وشيخ الإسلام ابن تيمية، ولذلك يصلى خلف أئمة الجور مع وقوع الخلاف في الصلاة خلف بعض أهل الأهواء، وأمر النبي بقتال الحرورية أهل الأهواء، ونهى عن قتال أئمة الجور.
فتبديل كلام الله ونشر الفاحشة في الذين آمنوا أخطر شرعاً من فساد بعض العقود الحكومية واغتصاب بعض العقارات، وهذا لايعني التهوين من الجرائم المالية، ولكن لأبين أن كثيراً ممن يظنون أنفسهم يصلحون أنهم يفسدون أكثر من فساد السياسي، لأنهم يفسدون الأديان والسياسي يفسد الأموال، وفساد الأديان أشنع من فساد الأموال، وقد اتفق أهل السنة بجميع مذاهبهم على أنه في مقاصد الشريعة مقصد (حفظ الأعراض) مقدم على مقصد (حفظ الأموال)، وقد شرح ذلك الشاطبي في الموافقات في عدة مواضع.
وأما قولهم: أين الصحوة عن الإصلاح السياسي؟ فالجواب بل أينكم أنتم؟ فالإصلاح السياسي رأسه وأسه جوهره (تحكيم الشريعة) فالمطلوب من ولي الأمر تحكيم الشريعة التي تشمل حفظ العقيدة وحفظ الأعراض وحفظ الأموال وتطبيق أحكام الله، وحديث الصحوة عن تحكيم الشريعة لايماثله كل الطوائف الفكرية المعاصرة.
وأما قضية (الفساد المالي) فالحديث عن قضية الفساد المالي لم يعد مشكلة الآن، فلايوجد صحيفة سيارة إلا ويكتب فيها يومياً عن الفساد المالي، ولكن المشكلة أعمق بكثير من قضية الحديث عنها.
وأما قولهم (العدل ونفي الظلم هو مركز الشريعة، والصحوة لم تقم به) فهذا من جهلهم بالمفاهيم الشرعية، فأعظم الظلم هو الشرك، والبدع ظلم، والفواحش ظلم، وليس الظلم فقط هو المظالم المالية للولاة.
الخلاصة .. أن هذه الصحوة الإسلامية منة الله على هذا العصر .. ووالله العظيم لو كشفت ما بنفسي من التتيم بهذه الصحوة لظنني البعض أحد "الغلاة في الصحوة" .. ومن أحب المواضيع إلي في الكتابة إبراز محاسن هذه الصحوة الإسلامية والرد على التجنيات الموجهة إليها، ولولا خجلي من أن يقول الإخوان لقد أكثرت في هذا الموضوع لما توقفت .. ولعلي لا أذيع سراً إن قلت أنني كثيراً ما أقرأ في الصحافة الورقية والالكترونية موضوعات منحرفة .. صحيح أنني أنزعج منها، لكن الموضوع الذي لا أملك مشاعري حين أقرؤ عنه هو (التجني على الصحوة الإسلامية) .. ناقشني مرةً ليبرالي مبتدئ فقال لي على سبيل التهمة "أنت صحوي" فأطرقت وقلت له: هذا شرف لا أدعيه ..
كل ما أردت أن أصل إليه في هذه المقالة هو شئ واحد:
إذا سألك أي شخص من أهل الأهواء: ماهي منجزات الصحوة؟ فقال له: وماهو معيارك أنت للمنجزات؟ إن كان معيارك تحقيق مطالب القرآن والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتعال نتباحث، وإن كان معيارك محصوراً في العمران المادي، أو مقاومة الاستبداد السياسي، أو إطلاق الحريات، فصحح معاييرك أولاً، ثم تعال نتباحث حول منجزات الصحوة.
والله أعلم