للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُصَنَّف عقيدة الدروز والبهائية ضمن أشكال الغنوص، ولا تزال هناك فرقة دينية في العراق وإيران تُسمَّى المندائيين، وهي فرقة غنوصية يبلغ عدد أفرادها خمسة عشر ألفًا، و"مندائي" هي الكلمة الآرامية لـ"غنوص"، فالمندائي هو العارف؛ وهي مشتقَّة من كلمة "منداء" أو "منداع" بمعنى "معرفة"، وتتضمَّن عقيدتهم التطهُّر في المياه الجارية وشعائر جنائزية مركَّبة، فحينما يموت المندائي يقوم الكاهن بالشعائر اللازمة لإعادة الروح لمسكنها الإلهي، ليتوحَّد الميت مرَّة أخرى مع آدم السري "الإنسان الأزلي"، أو المجد، جسد الإله المقدَّس (١).

هذا عن أصل الأفكار، أمَّا أصل الدعوة ورأسها فكان من زمرة الشيعة، فالباطنية ظاهرة شاعَتْ بين الطوائف الفارسية الشيعية: " ... نشَأَت محاولة هدم الإسلام من الداخل؛ عن طريق ابتداع مناهج الباطنية في تأويل الشريعة على نحوٍ يؤدِّي إلى نسخها، والاستعاضة عنها بخليطٍ عجيب من الحكمة، يجمع بين خرافات الفرس، ووثنية الإغريق، وعقائد اليهود الذين حرَّفوا دينهم من قبل، فظهرت بصيغة إسلامية خادعة؛ كفكرة النور المحمدي، وعصمة الأئمَّة، ومعجزاتهم، والغيبة، والرجعة، والحلول، والتجسيم، والتأويل والتشبيه، وغير ذلك من الأفكار والعقائد ... " (٢).

وعلى مَن يفرك فكر الباطنية أن يلمَّ بنشأة الشيعة؛ إذ التشيُّع كان ثوبًا يتستَّر وراءه كلُّ مَن يبغي بذر الفتن ضدَّ المسلمين، ومأوى يلجأ إليه كلُّ مَن رام هدم عُرَى الإسلام؛ بحَشْوِ البِدَع بآراء آبائه وأجداده من يهودية ونصرانية وهندوسية وفيثاغورسية وأفلاطونية وأفلوطينية حديثة.

فقد ظهر بعد عبد الله بن سبأ اليهودي اليمني بأفكاره الحلولية أبو هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنفية زعيم الغلاة الشيعة، فقال بالظاهر والباطن، وبعده بيان بن سمعان الذي أعلن ألوهية علي بن أبي طالب - رضِي الله عنه - وقال بتناسخ الأرواح، ونسخ الشريعة المحمدية، ثم ظهر المغيرة بن سعيد العجلي الذي اشتهَر بعلوم وأسرار العدد (٧)، ثم أبو منصور العجلي الذي رفع الأئمَّة الشيعة إلى مصافِّ الألوهية، ثم جاء أبو الخطاب الأسدي شيخ الخطَّابية ومنبت الإسماعيلية وادَّعى الإمامة ثم النبوَّة، ثم أسقط التكاليف الشرعية، وتخرَّج على يديه زعماء الباطنية وأهمهم: محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق رأس الإسماعيلية ومنهم المباركية، وميمون القدَّاح رأس الميمونية والتي توالَد منها القرامطة والعبيدية والنزارية والحشاشون والدروز.

وتلامذة أبي الخطاب بعد هلاكه توجَّهوا لوجهتين؛ فميمون القدَّاح وابنه عبد الله اتبعَا المبارك - مولى لإسماعيل بن جعفر - في القول بإمامة محمد بن إسماعيل، وأسسَا بناءً على ذلك الطائفة الإسماعيلية أو المباركية، أمَّا المفضل الجعفي فقد تظاهَر بالعودة لفرقة موسى الكاظم الاثني عشرية، وبثَّ فيها أفكار الخطابية، لتفرز النصيرية.

ولم يظهر النشاط السياسي للباطنية بشكلٍ منظَّم ومرسوم إلاَّ على يد ميمون القدَّاح، الذي أجمعت كل كتب الفِرَق والملل على أن هذا الرجل هو المؤسس الحقيقي لهذه الطائفة، وليس معنى هذا أن مبادئ الباطنية لم تكن معروفة من قبلُ، وإنما يرجع إلى ميمون القدَّاح (٣)


(١) "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية": عبد الوهاب المسيري، ج١٣، ص ٨٦.
(٢) "دراسات في الفلسفة"؛ محمود قاسم، ص٢٥٤.
(٣) وإليه تُنسَب الفرقة الميمونية التي أظهرت اتباع أبي الخطاب "الخطابية"، وزعمت أن العمل بظواهر الكتاب والسنة حرام، وجحَدت المعاد، وكان ميمون وابنه من الديصانية الثاوية الفارسية.

"الفهرست"؛ ابن النديم، ص (٢٦٤، ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>