أما قولهم: (إننا نقر أن الله أمر بمعاداة أعدائه كقوله تعالى (لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) لكن هذه في المعتدي وليس كل الكفار أعداء لله) فهل يقول هذا من قرأ كتاب الله؟! فكل كافر فهو عدو لله أصلاً كما قال تعالى (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة:٩٨]، وقال تعالى (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء:١٠١].
وأما قولهم (أننا نقر أن الله نهى عن موالاة الكفار، لكن آيات النهي عن موالاة الكفار لايلزم منها النهي عن حبهم والأمر ببغضهم، لأن الموالاة فيها قدر زائد على مجرد الحب والبغض وهي "النصرة") فالجواب أن "الموالاة" لفظ عام يشمل الحب والنصرة، فالحب موالاة، والنصرة موالاة، والنهي عن العام يشمل جميع أفراده.
ومن ظن أن الموالاة لاتكون إلا لما تركّب منهما فقد خالف النص الذي منع الحب كقوله (ها أنتم أولاء تحبونهم ولايحبونكم) وهي في المسالمين، وخالف إجماع الفقهاء على منع حب الكافر ومودته، فضلاً عن مخالفته لما حرره الفقهاء المحققين كقول الإمام ابن تيمية (وأصل الموالاة هي المحبة، كما أن أصل المعاداة البغض) [منهاج السنة]
وأما قولهم (إننا نقر أن الله نهى عن موادة من يحاد الله ورسوله، لكن المحاد هو المحارب) فهذا تحريف لكتاب الله، فإن الله تعالى قال (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) [التوبة ٦٢ - ٦٣]
فهؤلاء الذين حلفوا لرسول الله ليسوا محاربين، ومع ذلك جعلهم الله محادين!
ولما ذكر الله حدود الله في مطلع المجادلة قال (إن الذين يحادون الله) ومعلوم أن انتهاك حدود الله ليس محاربة، ومع ذلك جعله الله محادة لله جل وعلا.
فإن كان هؤلاء يجعلون "المحادة" هي "المحاربة" فهذا باطل بكون الله في كتابه سمى مادون المحاربة محادة، وإن كان هؤلاء يجعلون المحادة كل قول وفعل يسئ إلى الله وكتابه ونبيه وشريعته، فلايكاد يوجد كافر معاصر لايسئ لأحكام الله في التعدد والقوامة والحجاب والقرار في البيوت والقتال الخ. فهؤلاء يقولون لنا إن الموادة المهي عنها مخصوصة بالمحاد، فإذا قلنا لهم هؤلاء الذين الذين ينتقدون أحكام الشرع من مستشرقين وسياسيين ومفكرين وعامة في المجتمعات الكافرة، لكنهم مسالمون غير محاربين، هل يجوز مودتهم، عادوا وتناقضوا وقالوا نعم يجوز لأنهم غير محاربين، وتركوا علتهم الأولى وهي المحادة!
وأما احتجاجهم بترخيص الشارع في الزواج بالكتابية، وأن هذا ينقض كل الآيات والأحاديث والآثار وإطباق المذاهب الأربعة، فقائل هذا الكلام ليست إشكاليته إشكالية مسألة مفردة بعينها، بل لديه إشكالية منهجية، وهي ترك الأصول الظاهرة وتحويل الاستثناء والمحتمل إلى قاعدة!
والجواب عن استدلالهم بـ (أن الله أباح الزواج بالكتابية، والزواج يفضي للمودة) أن يقال:
المودة الحاصلة بالزواج بالكتابية هي أمر كوني قدري، وأمر الله ببغض الكافر أمر شرعي ديني، وأوامر الله الشرعية لايعترض عليها بالأمور الكونية. والمحتج بذلك هو نظير من يقول: أن الله خلق الخلق مختلفين ولن يزالوا كذلك، فلا داعي للأمر بالجماعة والائتلاف! فأبطل أمر الله الشرعي بالأمر الكوني.
أو كمن يقول أن قضى على العباد أن تقع منهم المعاصي، وأخبر أن بني آدم مذنبون خطاؤون، وعليه فلا داعي لأن ننهى الناس عن المعاصي، فأبطل أمر الله بعدم معصيته بناء على الأمر الكوني من وقوع المعاصي!
وهكذا، فكيف يعترض على أمر الله ببغض الكفار، بأمر كوني قدري وهو وقوع المتزوج في حب زوجته؟!