للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرع عن ذلك تفوقهن في القدرة على الإمساك بالقلم بشكل أكثر دقة، ومن ثم الكتابة، وقد أشارت لهذا دراسة أجراها الباحثون في فرجينيا تك ( Virginia Tech) ، حيث وجدوا أن المنطقة المسؤولة عن المهارات الدقيقة في أدمغة البنين تتطور لتلحق بنظيرتها لدى البنات بعد عام كامل (١).

ومن التجارب التي تظهر خطورة إغفال مثل هذا أو عدم الاكتراث به قصة طفل لم يراع ذووه أن كثيراً من البنين في سن الخامسة ليس لديهم من المهارات الدقيقة ما يُمكنهم من كتابة الحروف الأبجدية، فقد كان ماثيو ( Matthew) كما تقول أمه: نجم الأسرة. وكان دائماً مستعداً للتجربة واستكشاف الجديد، لم يكن يتضجر أو يتذمر، لكنه تحول لطفل آخر! يساق إلى محل الدراسة سوقاً، رغم لطف المعلمة وصبرها، والسبب هو التعليم المختلط في مرحلة التمهيدي! لقد رأت أمه نباهته وتوسمت فيه مخايل النجابة فقررت أن تدفع به للتمهيدي، وعلى الرغم من أن تلك المدرسة كانت تنتهج نهجاً حديثاً لا يلزم الطلاب بمنهج دراسي، فمن شاء كتب، ومن شاء لعب، إلاّ أن البنات -نظراً لتطور قدراتهن الكتابية لقدرتهن على التحكم في العضلات الصغيرة قبل البنين- كن يجتمعن حول المعلمة ويكتبن، بينما يبقى البنون العاجزون عن الكتابة يلعبون بعيداً عنها. بدأ يتولد عند ماثيو شعور بالعجز، فأصبح يتضجر من التمهيدي، فما كان من أمه إلاّ أن ذهبت به إلى الطبيب، فنصحها الطبيب بإرجاعه للروضة لأن قدراته لا تمكنه من الكتابة في هذه السن.

غير أن الأم أصرت على استمراره لأنه ذكي، ولأنهالم تسمع بطفل ذكي يخرج من التمهيدي!

ومع الزمن رضخ ماثيو للذهاب .. غير أن الشعور بالعجز استقر في داخلته، وكذا الشعور بالانتماء إلى المجموعة المهملة المتأخرة. وعندما أصبح قادراً على الكتابة كان قد رسخ في نفسه عجزه.

جاءت الأم لنفس الطبيب بعد عام، ومعها ورقة من المدرسة تأمل فحص ماثيو لمعرفة ما إذا كان مصاباً باضطراب العجز عن التركيز والحركة الزائدة ( ADHD) !

وبعدها تطور أمره إلى علاج نفسي، فعقارات اكتئاب، فأدوية مهدئة ... ثم اضطر لإعادة العام، وأخطر من هذا كله أنه قد رسخ في نفسه بغض المدرسة. والسبب في مبدئه عدم معرفة بقدرات الطفل، وما تؤهله له ملكاته العقلية والعضلية في تلك السن.

ومشكلة ماثيو مشكلة متكررة فقد بينت الدراسات الصادرة عام ٢٠٠٣م أن عدد الأطفال الذين يأخذون مضادات الاكتئاب ثلاثة أضعاف عددهم قبل عشر سنوات (٢).

وقد اقترح بعض المختصين علاجاً لتنمية المهارات الدقيقة لدى البنين، بتوجيههم إلى نشاطات تسهم في نحو هذا كتدريبهم على نظم الخرز، أما مشكلة العضلات الكبيرة في البنات فتعالج بتمرينهن على ألعاب حركية مناسبة كالقفز (٣).

ومن هذا يظهر أن ألعاب الفك والتركيب الدقيقة، التي تستخدم فيها قطع بلاستيكية يمكن تركيبها وفكها بأدوات من نحو مفكات وكماشات بلاستيكية؛ مناسبة ومفيدة للبنين فوق الثلاث سنين. كما أن القواعد التي تساعد على القفز، أو ما يسمى بـ (النطيطة) مناسبة للبنات في تلك السن، وينبغي أن يحرص على أن تكون فيها مقابض وأطراف بلاستيكية آمنة تتيح لهن التمسك بها أثناء القفز .. وكذلك ما جرت به عادة البنات من نط بالحبل يساعدهن على اكتساب بعض حاجتهن العضلية.

والمقصود أن الفروق العضلية مشاهدة معلومة، ولكننا كثيراً ما نغفل عن أثرها على العملية التعليمية، ويغفل من ينادي بالخلط بين الجنسين أثرها على طريقة تعليم الطالب، وكذلك يغفل أثرها عند تقييم الطالب في الصفوف الدنيا الابتدائية، وربما راعى بعض التربويون ذلك في الأنشطة الرياضية، فجعلوا منافسات البنين غير منافسات البنات وربما كان نوع رياضة هؤلاء غير هؤلاء، لكن هذا ليس كافياً؛ فكما أن خلطهم في المنافسة الرياضية وتقيمهم بناء على مقارنتهم ببعضهم يمثل ظلماً لبنين أو البنات بحسب الرياضة، فكذلك خلطهم في الدراسة وتقييم قدرتهم على الكتابة مثلاً، أو الأعمال الفنية سيكون مجحفاً، يقوم على التسوية بين من ثبتت الفروق بينهما في الجملة، ولا تسمع لجدلي يعارض بالحالات الشاذة، واعلم يا من رعاك الله أنه ليس الذكر كالأنثى! واعلم أن لتلك الفروق آثاراً قد يكون إغفالها مدمراً .. وقريباً أعرض لأثر فرق آخر إن شاء الله.


(١) Sax: Why Gender Matters?, p.٩٥.
(٢) Sax: Why Gender Matters?, p.٩٦.
(٣) For more details see: Gurian: Boys and Girls Learn Differently, pp.١٢٠-١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>