للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو أعطيت عدداً من الصغار أوراقاً بيضاء، وأقلام تلوين، وطلبت منهم أن يرسموا ما يشاءون، ستلاحظ أن البنات يستعملن ألواناً مثل الأحمر، البرتقالي، الأخضر، البيج (لون الصوف الطبيعي)، لأنها هي الألوان التي هيئت الخلايا P لتكون حساسة لها، أما الأولاد فسيرسمون أشكالاً لأشياء متحركة، وسيستعملون ألواناً مثل الأسود، الرمادي، الفضي، الأزرق، لأنها هي الألوان الأكثر ارتباطاً بالخلايا M (١) .

وقد درس بعض المختصين في العقدين الماضيين لوحات الأطفال، فوجدوا أن البنات يملن لرسم الوجوه (بشر أو حيوانات)، والأزهار والأشجار، ويكون رسمهن متناظر الشقين إلى حد كبير، يواجه الناظر (كأنها تنظر لما يقابلها في الطبيعة)، كما يستعملن عشرة ألوان أو أكثر في اللوحة الواحدة، من الألوان التي سماها الباحث ياسومازا آري ( Yasumasa Arai) الألوان الدافئة؛ الأحمر، الأخضر، البيج، البني. أما الأولاد فيرسمون أشكالاً لأشياء متحركة؛ صاروخ يصيب هدفاً، غرباء يهمون بأكل شخصٍ ما، عربة تصطدم بأخرى ... ويستعملون ستة ألوان كحد أقصى، من التي سماها ياسومازا: ألواناً باردة؛ الأزرق، الرمادي، الفضي، والأسود.

كما أنهم يتخيلون أنفسهم وهم يرسمون كما لو كانوا متحكمين في مكونات اللوحة في الطبيعة، لا متفرجين كما تفعل البنات، وقد اختصرت الأخصائية النفسية دونا تيومان ( Donna Tuman) هذه الفروق بقولها: "البنات يرسمن الأسماء، والأولاد يرسمون الأفعال" (٢).

ومن القصص التي تبين أهمية اعتبار نحو هذه الفروق في العملية التعليمة -على ضآلتها فيما يبدو للناظر- قصة واقعية، لعل سردها يثبت للقارئ أن الدعوة إلى اعتبار الفروق بين الجنسين والفصل بينهم في التعليم دعوة مهمة حقاً، وليست محض تهويل ليس عليه تعويل:

أعطت أستاذة التمهيدي كل طفل ورقة بيضاء، وطلبت منهم أن يستعملوا أقلام الألوان لرسم ما يحبون، وكانت المعلمة تمر عليهم وتشجعهم، وأثناء مرورها توقفت عند أنيتا ( Anita) ، ذات السنوات الخمس، رسمت أنيتا ثلاثة أوجه مبتسمة تواجه الناظر، وقد استعملت اثني عشر لوناً! أحمر، بني، برتقالي، ... وكثير من الألوان الساطعة.

قالت المعلمة: عمل ممتاز يا أنيتا .. من هؤلاء؟

فردت الطفلة: هذه أنا، وهذا أخي فلان، وهذه أمي.

قالت المعلمة: هذا رائع جداً، عمل مميز.

ثم انتقلت المعلمة لماثيو ( Matthew) ذي الخمس سنوات، وهو نفس الطفل الذي مر علينا عندما بحثنا أثر الفروق العضلية في المقالة السابقة. كان ماثيو قد غطى سطح الورقة بخطوط سوداء داكنة (خربشة)، فسألته المعلمة: ما هذا؟

أجاب ماثيو بكل فخر: إنه صاروخ كاد أن يدمر الأرض، انظري هذا هو الصاروخ، وهذه هي الأرض.

المعلمة رأت أن ماثيو استعمل اللون الأسود فقط لكل من الأرض والصاروخ، لا أثر في لوحته لأي شخص، ولا أي لون، ولا أي حياة!


(١) Sax: Why Gender Matters? pp. ٢١-٢٢.
(٢) Sax: Ibid, pp. ٢٣-٢٤.
Megumi Iijima, Osamu Arisaka, Fumie Minamoto, and Yasumasa Arai: Sex Differences in Children's Free Drawings, Hormones and Behavior, ٤٠: ٩٩-١٠٤, ٢٠٠١.
Chris Boyatzis and Julie Eades: Gender Differences in Preschoolers' and Kindergartners' Artistic Production and Preference, Sex Roles, ٤١:٦٢٧-٣٨,١٩٩٩.
I. Kawecki: Gender Differences in Young Children's Artwork, British Educational Research Journal, ٢٠: ٤٨٥-٩٠, ١٩٩٤.
Donna Tuman: Sing a Song of Sixpence: An Examination of Sex Differences in the Subject Preference of Children's Drawings, Visual Arts Research, ٢٥: ٥١-٦٢, ١٩٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>