- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما فأطمعته، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟. فقال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو قال: مثل الملوك على الأسرة - يشك إسحاق - قلت: ادع الله أن يجعلني منهم. فدعا). الحديث.
ظاهر الأثرين معارض، يخالف كافة نصوص تحريم الاختلاط، وأكثر من ذلك؛ فإنه يخالف صريح نهي النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء). رواه البخاري/ النكاح/ لا يخلون رجل.
فكيف يكون الجواب عنهما، فإنه من المحال الأخذ بهما وإباحة الدخول والاختلاط؛ لأنه هدر لنصوص كالجبال سبقت في المنع والتحريم؟.
للجواب سؤال: هل يمكن أن يكون لهذين الأثرين جواب غير أنهما يبيحان الاختلاط؟.
نعم، ثمة أجوبة كلها محتملة واردة، فمن ذلك: أنها حادثة قبل الحجاب، أو أنهن محارم، أو خصوصية.
فأما احتمال كونها قبل الحجاب؛ فذلك أن الرجال كانوا يدخلون على النساء بيوتهن، حتى تزوج عليه الصلاة والسلام بزينب، فدخل الناس للطعام، فأطالوا المكث وهم جلوس، وزينب جالسة، والرسول يدخل ويخرج، حتى نزلت الآية في سورة الأحزاب: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي .. "، إلى قوله: "وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب". فخرج الرجال وضرب الحجاب. (رواه البخاري)، ومنعوا من الدخول بعد ذلك على النساء، وقال: (إياكم والدخول على النساء).
فالحجاب والنهي عن الدخول ثبتا قولا، وبه تأسس الحكم بالمنع من هذا الاختلاط، وبعد ذلك، فكل ما أتى من خبر فيه: أنه دخل على امرأة أجنبية بيتها. فحمله على ما قبل الحجاب هو المتوجب. إذ النبي لا يخالف إلى ما نهى عنه عامدا قاصدا إلا بعذر شرعي، قال تعالى: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه .. ".
وبهذا الجواب نحفظ للنصوص وقدرها ودلالتها ومعانيها، ونكون قد أجبنا على ما أشكل جوابا معقولا ممكنا غير محال، ومهما أمكن الجواب عن المشكل بما لا يعطل المحكم الثابت، فهو الواجب، لا جواب معطل.
على أن له جوابا آخر هو: الخصوصية. فالنبي معصوم من الفواحش بالاتفاق والإجماع، فافتتانه محال شرعا، فلا ريبة من دخوله على النساء المؤمنات، ثم هو كذلك أب للمؤمنين والمؤمنات.
ومع ذلك، فمهما أمكن حمله على ما قبل الحجاب، فهو الأوجه والأحسن.
وقد ادعى بعضهم أن حادثة أم سليم كانت بعد حجة الوداع، بدليل ذكر الشعر، فزعم هذا أن الشعر كان مما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة في منى، فأخذته أم سليم فخلطته بعرقه في سك. الفتح ١١/ ٧٢.
لكن الروايات تفيد أنها كانت تفلي شعره، وهذا حال يمكن معه تساقط بعضه. وهكذا لا يلزم من ذكر الشعر، وقوع القصة بعد حجة الوداع.
بل في حادثة أم حرام ما يدل على أنها كانت قبل الحجاب؛ إذ فيها بشارة بالفتح ناحية البحر، وهذا دليل على امتداد الفتوحات إلى أمكنة بعيدة، ثم وصفهم بالملوك على الأسرة، وصف عزة وقوة. وقد كانت المبشرات في أوائل العهد النبوي، حيث كان النبي ومن معه يحتاجون إليها للتثبيت واليقين. أما بعد السنة الرابعة، فقد تحول الأمر جذريا من الضعف إلى القوة، حتى فتحت سائر جزيرة العرب، فحمل الحادثة على ما بعد حجة الوداع لا وجه له؛ فلا حاجة إلى المبشرات، وهم يفتحون البلدان.
وهناك ما يدل على هذا أيضا، فقد قال ابن حجر في الفتح ١١/ ٧٨: