هذا المشهد الأليم في الحقيقة يجعل حادثة الاختلاط الكاوستي تتحول من قضية " فرض سياسي للاختلاط " إلى " تبديل للحكم الشرعي " ذاته لتوفير غطاء فقهي للإرادة السياسية، وهذا يعني أن الخطورة تفاقمت أضعافاً مضاعفة، فشتان بين من يفتح بنكاً وهو معترف بتقصيره، وبين من يفتي بجواز الربا! وشتان بين من يقع في علاقة غير مشروعة وهو معترف بخطئه، وبين من يفتي بإباحة الزنا!
وهكذا، فشتان بين من يكرِه المجتمع المسلم على إنشاء جامعة مختلطة، وبين من يحرف النصوص الشرعية والتراث الإسلامي، ويدعي أن لفظ "الاختلاط" لايعرف أصلاً في كتب أهل العلم!
فهذا التدهور من (الفرض السياسي للاختلاط) إلى (التبديل الشرعي لحكم الاختلاط) ينقلنا من منكر مجرد إلى منكر مغلظ.
وأما بالنسبة لذلك الفريق المنسوب إلى (البحث الفكري) فالحقيقة أن أي دارس موضوعي يقوم بتحليل أطروحات "كتّاب الأعمدة الليبرالية" فإنه سيتوصل حتماً إلى أن جوهر المشكلة لديهم هي الجهل الفظيع لاغير، فهؤلاء الكتّاب يعانون من جهل فادح في تصور التراث الإسلامي، وفي تصور تركيبة المجتمع الغربي، فهم يجهلون طرفي الرحلة كليهما، حيث يجهلون محطة المغادرة ومحطة الوصول، فلا يعرفون التراث (الذي يريدون أن نذهب عنه) ولايعرفون الغرب (الذي يريدون أن نذهب إليه)، فأي أزمة أكثر من أزمة مسافر لايعرف من أين جاء ولا إلى أين سيذهب؟!
ومن الواضح لكل قارئ لخطاب الأعمدة الليبرالية أن أكثرهم يكتب عن الحضارة الغربية من خلال مايمكن تسميته "ثقافة السائح"، وأفضلهم حالاً هم ضحايا الكتب الفكرية العربية الاندهاشية التي يكتبها متطلعون للانحلال الديني الغربي فيزوّرون الواقع لأغراض آيديولوجية تتصل بتمرير ميولهم الشهوانية على أساس أنها جزء من مكونات المجتمع المتحضر، فيبتلعها هؤلاء المساكين ثم يعيدون صياغتها بشكل مبسط وترويجها للمستهلك النهائي وهو قارئ الصحافة.
خلاصة القول أن الاختلاط منكر شرعي نصت عليه كافة المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة، ولايزال مسألة جدلية في الفكر التربوي الغربي لها أنصارها ومناوئيها، وكل طرح بخلاف ذلك لايساعده البرهان، والرهان على العلم ..