فإذا كان هذا حالهم والبلاد مليئة بالأخيار والصلحاء والعلماء وطلاب العلم، والمجتمع مازال المكون الديني أساسي فيه، فما الظن إن تمكن هؤلاء الليبراليون أكثر؟ وما الذي يمكن تخيله إن استحكم لهم الأمر؟
الأمر الخامس: كيفية التعامل مع المتغيرات والحملات المنسقة والمواقف المناوئة المسكوت عنها أو المحمية.
اختلفت مواقف العاملين للإسلام وردود أفعالهم، وما زالت تختلف بناء على اختلاف نظرهم في عدة متعلقات أساسية:
أولها: اختلاف النظر في الحاصل: هل هو جزئي أم كلي؟ هل هو تغير مبدئي أم مرحلي؟ هل هو انحياز أم طارئ؟
ثانيها: اختلاف النظر في الحاصل: هل هو مبرمج ومتفق عليه مع تبادل أدوار في إخراجه أم هو اتجاه أحادي ليس محل اتفاق.
ثالثها: اختلاف النظر في مآلات ما يحدث، ومقدار أثره، وحجم ضرره في المستقبل على أسس المشروعية ووحدة البلاد وأمنها.
رابعها: اختلاف النظر في العمل المناسب لهذا الوضع، وما يتوقع من تداعياته في المستقبل
خامسها: اختلاف النظر في المصالح والمفاسد المترتبة على المواقف والأقوال، ويدخل في ذلك المصالح والمفاسد الدينية والاجتماعية والشخصية.
سادسها: اختلاف التكوين الفكري باختلاف مقدار التعمق الشرعي، واختلاف المعلومات الأخرى المكتسبة، واختلاف التصورات المبنية على تلك المعلومات، واختلاف المدارك المتعلقة بالسنن الكونية والتغيير وأعمار الدول، وأسباب النهوض والانهيار، واختلاف النفسيات والمشاعر مابين متفائل وعكسه، ومؤمل ومحبط، ومكترث وبارد، وغير ذلك.
وبناء على ما سبق - وغيره- يمكن قراءة المواقف الإسلامية المختلفة من هذا (الحملة العدائية المضادة للشيخ الشثري، ومن قبله الشيخ اللحيدان المنتهية بالإقالة أو الاستقالة) وقراءة ما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
الأمر السادس: إن قراءة ما حدث للشيخ الشثري من هجوم ثم إعلان إعفائه من هيئة كبار العلماء أمر في غاية الأهمية بالنسبة للعلماء والدعاة لأسباب منها:
١) قرب الشيخ وأسرته من الأسرة السعودية الحاكمة.
٢) كون الشيخ يمثل التوجه الديني للدولة السعودية (دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب).
٣) كون الشيخ من أهل نجد وهم مادة السلطة وعصبتها، حسب التعبير الخلدوني
٤) كون الشيخ الشثري من العلماء المنسوبين إلى الدولة.
٥) كلام الشيخ عن الجامعة في ثول (كاوست) كان مفعماً بالاحترام والتهذيب والشكر والامتنان، في أول القول ووسطه وآخره، إلى الحد الذي فاق الإشارة إلى المأخذ الشرعي في الاختلاط.
فكان ماذا بعد كل هذا؟
كانت الحملة الكتائبية المنسقة، ثم جاء بعدها بيان الإعفاء.
هل يمكن أن نقول بأن هذا نوع مما يُسمّى أساليب الغازي حينما يفتك، ويدير المعركة بشعار فشرّد بهم من خلفهم؟!!
لا يوجد إلاّ القلة النادرة من العلماء والدعاة والعاملين للإسلام الذين يمتلكون الامتيازات التي يمتلكها الشيخ الشثري، أو يقدرون على ضبط إيقاع كلماتهم مع الوضع الرسمي بالقدر الذي ضبطه الشيخ الشثري، إلى درجة لا يوجد دونها درجة، ومع ذلك حصل له ما حصل!!
وبناء على ذلك: هل يمكن القول بأن هذا الحدث يمثل تحوّلاً مهماً ومنعطفاً بيّناً في العلاقة بين الشرعي والسياسي، وبين الديني والزمني (حسب تعبير الدنيويّين) وبين السلطة وعصبيتها؟
بعض المثقفين يرونه مجرد حادثة عابرة، أو صراع، مؤقت، أو قضية من عشرات القضايا المشابهة، ويتكلمون بسطحية أو ببرود مصطنع أو بسذاجة .. وهناك من يرى أن الأمر له تداعيات كبيرة، من أظهرها الانحيازات الفكرية التي ظهرت في الإعلام والمواقع، واصطفاف الناس -في الجملة- في صفين متقابلين، متعارضين متضادّين، مما يؤذن بمستقبل اجتماعي ينقسم فيه المجتمع السعودي، كما حصل للمجتمعات الإسلامية التي ابتُليت بالتيارات الليبرالية التي تمارس ليبراليتها بنعومة الأفعى وسمّها.
وفي الختام ينبغي أن يستحضر علماء الإسلام ودعاته أوائل سورة العنكبوت، ويسألون الله العافية، ويقومون بدورهم المتمثل في حديث الدين النصيحة، لمن؟ لكتاب الله، ولسنة رسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
والله الموفق إلى سواء السبيل.