للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً: ينبغي للإمام في صلاة التراويح أن يُعنى بصلاته، فيصلي صلاة الخاشعين يرتل القراءة، ويطمئن في الركوع والسجود، ويحذر من العجلة لئلا يخلَّ بالطمأنينة، ويُتعبَ مَنْ خلفه من الضعفاء، وكبار السن، ونحوهم. يقول السائب بن يزيد: (أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر) (١).

رابعاً: على الإمام في دعاء القنوت في رمضان مراعاة ثلاثة أمور:

الأول: أن يحرص على الأدعية الواردة في الكتاب والسنة، وأن يجتنب السجع والتكلف، والدعاء المخترع، والتفاصيل الدقيقة التي تجعل الدعاء إلى الوعظ والترهيب أقرب، وإن دعا بما يناسب الأحوال العارضة كالاستغاثة وقت الجدب، أو الدعاء بنصرة المسلمين عند تسلط الأعداء فحسن.

الثاني: ألا يطيل في دعاء القنوت إطالة تشق على المأمومين تؤدي إلى فتورهم وتسبب شكواهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما أطال في صلاة الفريضة (أفتان أنت يا معاذ؟) فكيف بالإطالة في دعاء القنوت، بل في أدعية مخترعة وأساليب مسجوعة؟!

الثالث: أن يدعو الإمام بصوته المعتاد، فإنه أقرب إلى الإخلاص والتضرع، وأعظم في الأدب والتعظيم، وأدل على إحساس الداعي بقربه من ربه، وعليه أن يبتعد عن كل ما ينافي الضراعة والابتهال، أو يدعو إلى الرياء والإعجاب وتكثير المصلين خلفه من التلحين والتطريب أو التمطيط أو تكلف البكاء ونحو ذلك مما ظهر على بعض الأئمة في هذا الزمان، والله المستعان.

خامساً: على الإمام أن يختار الجوامع من الأدعية، لقول عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك» (٢). وإن بدأه بحمد الله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى (٣)، لحديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يُمَجِّد الله تعالى، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَّلَ هَذَا» ثم دعاه فقال له أو لغيره: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَليَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ ربِّهِ جَلَّ وعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ» (٤).


(١) رواه مالك في الموطأ (١/ ١١٥) وسنده صحيح، وفروع جمع فرع وهو أعلى الشيء، يعني بذلك أنهم لا يقضون صلاتهم لطول القيام إلا قرب الفجر.
(٢) أخرجه أبو داود (١٢/ ١٤)، وأحمد (٦/ ١٤٨)، والطبراني في "الدعاء" (٥٠)، والحاكم (١/ ٥٣٩)، من طريق الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، عن عائشة رضي الله عنها به، وهذا سند صحيح، الأسود من رجال مسلم، وأبو نوفل من رجالهما.
(٣) انظر: "الوابل الصيب" ص (١١٥).
(٤) أخرجه أبو داود (١٤٨١)، والترمذي (٣٤٧٧)، والنسائي (٣/ ٤٤)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>