فتلَخَّصَ من مجموع الروايات السابقة، أن قُدامة ﵁، ومن فهم فهمه من الصحابة، أخذوا من الآية: جوازَ شُرب الخمر لِمَنْ اتَّقَى وآمن وعمل صالحًا. وأظهرُ ما كانت تلك الصفات في قُدامةَ ﵁؛ من السابقة في الإسلام، وشهود الهجرتين، وحضور المشاهد كُلِّها مع رسول الله ﷺ. وهم في ذلك آخِذون بمعنىً تحتمله الآية، وتبادر لهم منها.
وكان بيان عمر وابن عباس ﵃ لهذه الشبهة أحسنَ بيان؛ إذ نَبَّه عمرُ ﵁ قُدامةَ إلى أمرٍ غفلَ عنه في الآية، وهو أنه لو اتَّقَى الله تعالى حقيقةً لَمَا شرب الخمر، وهذا تحقيق للفظ الآية، واستيعاب لمعناها، وحقيق بمثل عمر ﵁ أن يفهم هذا الفهم؛ فهو المُحَدَّثُ المُلهَم.
ثم كان بيان ابن عباس ﵁ أكثر استيعابًا وشمولًا؛ إذ انطلق من لفظ التقوى الشامل الذي تحدث عنه عمر، إلى سياق الآية وسبب نزولها، وهو ما أشار إليه ابن عباس ﵁ بقوله:(إن هذه الآيات أُنزِلَت عذرًا لمن صبر، وحُجَّةً على الناس- وفي لفظ: عُذرًا للماضين، وحُجَّة على الباقين).
فقوله:(وحُجَّةً على الناس - وفي لفظ: وحُجَّةً على الباقين) تنبيه إلى سياق الآية، فقد خاطب الله تعالى المؤمنين في أوَّل الآيات بتحريم الخمر تحريمًا قاطعًا، مع تعداد أعظم مفاسدها، فقال تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ﴾ .. [المائدة ٩٠] الآية، ثم خاطب المؤمنين بعد ذلك برفع الجُناح عمَّن طَعِمَ سوى ما حَرَّم الله تعالى، ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ [المائدة ٩٣]، وبالأخص ما ذُكِرَ تحريمه قبل هذه الآية مِمَّا يُطعَم، وهو: الخمر والميسر. فلو تنبَّه قُدامة وغيره ﵃ لهذا السياق لعلموا أن المُباح ما سِوى ذلك المُحَرَّم. وفي قوله ﵁:(إن هذه الآيات أُنزِلَت عذرًا لمن صبر، - وفي لفظ: عُذرًا للماضين)، تنبيه إلى سبب نزول الآية، فعن أنس بن مالك ﵁ قال: (كنت ساقي القوم يوم حُرِّمَت الخمر في بيت