للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٩] ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم ٦٢].

عن ابن عباس قال: (ليس فيها بكرة ولا عشيّ، ولكن يؤتون على مقدار ذلك بالليل والنهار). وفي لفظ: (يؤتون به على تفاريق الليل والنهار) (١).

* تحليل الاستدراك:

البُكرة هي الغُدوَة أول النهار، والعَشيّ آخره (٢)، وقد نفى ابن عباس أن يكون رزق أهل الجنة فيها وقتي البكور والعشيّ كما هما في الدنيا؛ لأنهما من أثر تحول الشمس ومسيرها من الشرق إلى الغرب، وقد أخبر الله تعالى أن أهل الجنة ﴿لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان ١٣]، فإذا زال السبب زال المُسَبَّب. ثم بَيّن المُراد بالآية: أن أهل الجنة يأتيهم رزقهم فيها على تفاريق الأوقات، وفي أحايين متفاوتة، على قدر هذين الوقتين وما بينهما، كما كانوا يعهدونهما في الدنيا؛ لأنه لا ليل هناك ولا نهار. ونحو هذا الأسلوب في كتاب الله قوله تعالى ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ ١٢]، أي: قدر شهر. وقوله ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت ٩]، وقوله ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الأعراف ٥٤]، يعني به: من أيام الدنيا. (٣)

* الحكم على الاستدراك:

ما اختاره ابن عباس في الآية معنىً صحيح؛ تجتمع به آيتا مريم والإنسان، وهو جارٍ على عادة القرآن في مخاطبة من نزل عليهم بما يعهدون


(١) أخرجه الثوري في تفسيره (ص: ١٨٧) (٥٨٠)، والبستي في تفسيره ١/ ٢٠٠ (١٦١)، واللفظ الثاني له، وعزاه السيوطي في الدر ٥/ ٤٦٥ لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. من طريق سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس .
وإسناده ضعيف؛ لانقطاعه، فالضحاك لم يلق ابن عباس.
(٢) القاموس المحيط (ص: ٣١٩، ١١٨٠).
(٣) ينظر: جامع البيان ١٦/ ١٢٨، والجامع لأحكام القرآن ١١/ ٨٥، ومجموع الفتاوى ٢/ ٤٩٤.

<<  <   >  >>