للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

ذهب منصور إلى أن المراد بالسِّيمَا (١) في الآية أثر السجود المحسوس في الوجه، ومن فسرها بذلك أخذه من ظاهر لفظ الآية، فإنها بينت سبب هذه السيماء والعلامة، فقال تعالى ﴿مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح ٢٩]. ثم السياق يشهد له أيضًا، ففي الآية قبلها ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾ [الفتح ٢٩]، ومن كانت هذه حاله ظهر عليه نحو ذلك الأثر ولو لم يقصد. كما ورد في السنة ما يشهد له، وهو قوله فيمن يُخرج من النار من الموحدين: (ويعرفونهم بآثار السجود، وحَرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود) (٢)، وعن جابر مرفوعًا: (إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا داراتِ وجوهِهِم، حتى يدخلون الجنة) (٣)، فهو أثرٌ في الوجه محسوس لا تمسه النار يوم القيامة.

وفسَّرها مجاهد بأنها الخشوع، وفي ألفاظ أخرى عنه قال: التواضع، والوقار، والسَّحنة (٤). فهي ليست بالأثر المحسوس على وجه المصلي؛ لأنه ربما ظهرت على من لا يدخل في من وَصَفَتْهُم الآية، كقساة القلوب، وبعض المنافقين (٥). قال ابن عطية (ت: ٥٤٦): (وهذه حال مكثري الصلاة؛ لأنها تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وتُقِل الضحك، وتَرد النفس بحالة تخشع معها الأعضاء) (٦)، وظاهر اللفظ يحتمل بعمومه هذا المعنى، كما يشهد له سياق الآية، فهو في وصف رسول الله وأصحابه، ولم يكن ذلك الأثر المحسوس من وصف رسول الله ، ولا من سِمَةِ جميع أصحابه .


(١) السِّيمَا هي: العلامة التي يُعرف بها الخير والشر. ينظر: تهذيب اللغة ١٣/ ٧٦.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ٢/ ٣٤١ (٨٠٦)، ومسلم في صحيحه ١/ ٣٩٣ (٢٩٩).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٤١٧ (٣١٩)، وينظر: فتح الباري ٢/ ٣٤٢.
(٤) ينظر: صحيح البخاري ٨/ ٤٤٥، وتفسير البستي ٢/ ٣٧٨، وجامع البيان ٢٦/ ١٤٣.
(٥) ينظر: معاني القرآن، للنحاس ٦/ ٥١٤.
(٦) المحرر الوجيز ٥/ ١٤١.

<<  <   >  >>