للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونُسْحَرُ بالطَّعَامِ وبالشَّرَاب

أي: نُعَلَّلُ فَكَأنا نُخدَع. وقال لبيد (١):

فإن تَسْأَلِينا فِيمَ نحنُ؟ فإننا … عَصافِيرُ من هذا الأنامِ المُسَحَّرِ

أي: المُعَلَّل. والناس يقولون: (سَحَرْتَني بكلامك)، يريدون: خَدَعتَني (٢). وقوله ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ﴾ [الإسراء ٤٨] يدلُّ على هذا التأويل؛ لأنهم لو أرادوا رجلًا ذا رِئَةٍ لم يكن في ذلك مثلٌ ضربوه، ولكنهم لمَّا أرادوا رجلًا مخدوعًا- كأنه بالخديعة سُحِر- كان مثلًا ضربوه، وتشبيهًا شبَّهوه. وكأنَّ المشركين ذهبوا إلى أن قومًا يعلِّمونه ويخدعونه، وقال الله في موضع آخرَ حكايةً عنهم ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل ١٠٣]، وقول فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء ١٠١] لا يجوز أن يُراد به: إني لأظنك إنسانًا ذا رئة. وإنما أراد: إني لأظنك مخدوعًا) (٣).

* تحليل الاستدراك:

ذهب أبو عبيدة (ت: ٢١٠) إلى أن المُراد بالمَسْحُورِ في الآية: بشرًا ذا سَحْرٍ، أي: رِئَةً. فصار المعنى عنده: ما تَتَّبعون أيها المؤمنون إلا بشرًا كالبشر يأكُل ويشرب. وقد أراد المشركون النبيَّ مَلَكًا لا يأكل ولا يشرب (٤)، قال تعالى ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ [الأنعام ٨]، وقال ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود ١٢]. واعتمد أبو عبيدة (ت: ٢١٠) فيما ذهب إليه صحَّةَ المعنى لُغةً (٥)، واستشهد عليه بالبيتين السابقين،


(١) ينظر: ديوانه (ص: ١٠٣).
(٢) ينظر: الزاهر، لابن الأنباري ١/ ٢٠٦.
(٣) تفسير غريب القرآن (ص: ٢١٧).
(٤) ينظر: مجاز القرآن ١/ ٣٨٢، وأمالي المرتضى ١/ ٥٧٨.
(٥) وينظر: إصلاح المنطق (ص: ١٩، ٩١).

<<  <   >  >>