للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ومن مسائل هذا الاستدراك]

أولًا: أن الذي حَمل ابن مسعود هنا على ذِكر المَزج: تقريب المعنى للسامع، وبيانه بما يَعرِف في واقعه، إذ مَثَّلَ لسامعيه بقوله: (أما سَمِعتُم المرأةَ من نسائِكُم تقول: طِيبُ كَذا وكَذا خِلطُه مسك؟). وهذا منهجٌ معروفٌ في تفاسير السَّلَف، مرتَبِطٌ بطريقتهم العامَّة في التفسير، وهي: التفسير على الإجمال، قال النحاس (ت: ٣٣٨) بعد ذِكر بعض أقوال السلف في الحروف المُقَطَّعة أوائل السور: (ولم يَشرَحوا ذلك بأكثر من هذا؛ لأنه ليس من مذاهب الأوائل، وإنما يأتي الكلام عنهم مُجمَلًا، ثم يتأوَّلُه أهل النظر على ما يوجِبُه المعنى) (١)، وقال ابن تيمية (ت: ٧٢٨) عند قوله تعالى ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ [القلم ٦]: (وقال الحسن: أيُّكُم أولَى بالشيطان؟، قال: فَهُمْ أولَى بالشيطان من نبي الله . فَبَيَّنَ الحسن المعنى المُرادَ، وإن لم يَتكَلم على اللفظ، كعادة السلف في اختصار الكلام مع البلاغة، وفهم المعنى) (٢)، وقد حَمَلَهم هذا المنهجُ كثيرًا على بيان المُراد مُباشرةً دون التعرض لمعنى المُفرَدَة المُطابق، قال ابن جرير (ت: ٣١٠): (فَحَمَلَ تأويلَ الكلام على معناه، دون البيان عن تأويل عينِ الكلمةِ بعينِها، فإن أهلَ التأويلِ رُبَّما فعلوا ذلك لِعِلَلٍ كثيرةٍ تدعوهم إليه) (٣)، وهذا أحد أسباب بيان المُراد عند السلف في تفاسيرهم، دون التعرض للَّفظة، وهو: قصد التقريب، وتسهيل المعنى للسائل والسامع. ولهذا المنهج فوائد وأسباب أخرى، يُتَعَرَّض لها في مواضعها إن شاء الله تعالى.

ثانيًا: كما أن رَدَّ ابن مسعود لحَملِ الخَتمِ على معنى الطَّبعِ، مع أنه صحيحٌ لُغَةً، يُشير إلى حدود اعتماد اللغة في التفسير، إذ ما كُلُّ ما صَحَّ لُغَةً، صَحَّ


(١) معاني القرآن ١/ ٧٧.
(٢) تفسير آياتٍ أشكلَت ١/ ١٤٨.
(٣) جامع البيان ١/ ٢٦٧.

<<  <   >  >>