للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

نفى ابن عباس في هذه الآية المعنى الحِسِّي لكلمة الغِلّ، وهو: الوِثاق، وهو ما يتبادر إلى الذهن عند اقتران هذه الكلمة بذكر اليد؛ ولِذا بدأ ابن عباس بنفيه، ثُمَّ أثبت معنىً آخر لهذه اللفظة في هذه الآية، وهو أنَّ اليهود أرادوا بذلك: أنَّ الله بخيل، أمْسَك خيره عنهم. وهذا المعنى مأخوذٌ من سبب الآية، وسياقها، وعادة العرب في مثل هذا الأسلوب، وعادة اليهود في وصف الله بمثل هذه النقائص. فأمَّا سبب الآية فقد ورد عن ابن عباس ، وعكرمة (ت: ١٠٥)، والضحاك (ت: ١٠٥)، وقتادة (ت: ١١٧): (أن الله كان قد بسط على اليهود، حتى كانوا من أكثر الناس مالًا، وأخصَبَهم ناحيةً، فلمَّا عصوا الله في محمد ، وكَذَّبوا به، كفَّ الله عنهم ما بسط عليهم من السَّعَة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازورا: يد الله مغلولة. لم يُريدوا إلى عنقه، ولكنهم أرادوا أنها مقبوضة، بمعنى ممسكة عن الرزق، فنسبوه إلى البخل) (١)، وعن الكلبي (ت: ١٤٦) ومقاتل (ت: ١٥٠) قالا: (كانوا من أخصب الناس، وأكثرهم خيرًا، فلمَّا عصوا وبَدَّلوا نعمة الله كفرًا؛ كَفَّ الله عنهم بعض الذي كان بسط لهم؛ فعند ذلك قالت يهود: كفَّ الله يده عنَّا، فهي مغلولة، أي: لا يبسطها علينا) (٢).

وأمَّا السياق ففيه دلالة على أن مُرادهم البخل وعدم الإنفاق، وذلك في رَدِّ الله تعالى عليهم، وإبطاله دعواهم بقوله ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة ٦٤]، فأثبَتَ نقيض دعواهم، وأنَّ يداه تعالى مبسوطتان بالعطاء والنفقة، لا يُنقِصهما شيء،


(١) الكشف والبيان ٤/ ٨٧، والجامع لأحكام القرآن ٦/ ١٥٤.
(٢) تفسير القرآن العزيز ٢/ ٣٦، وتفسير مقاتل ١/ ٣١٠، وفيه أنه قول عامَّتهم، لا قول بعض أفراد منهم كما في القول الأول، كما أنه عامٌّ في كفرهم بمحمد ، وغير ذلك ممَّا كفروا وفسقوا به. وينظر: النكت والعيون ٢/ ٥١.

<<  <   >  >>