للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إليه؛ لأن تحديد مقادير الحسنات من الغيب الذي لا يُعلَمُ إلا بوحي، وأشار إلى هذا ابنُ عطية (ت: ٥٤٦) بقوله: (وهذا تأويل يحتاج إلى سَنَدٍ يقطعُ العذر) (١)، وقد صَحَّ سنده كما سبق، وتفسير الصحابي المتعلق بأمر الآخرة وما لا يُعلَمُ إلا بوحي له حكم المرفوع، قال السيوطي (ت: ٩١١): (التفسير الوارد عن الصحابي فيما يتعلق بأمر الآخرة له حُكم الرفع بإجماع أهل الحديث) (٢)، فإذا انضاف إلى ذلك تأكيدُ أبي هريرة له بالقسم، واعتضدَ بسبب النُّزول، ووافقه عليه أبو سعيد الخدري، وابنُ عمر، وابنُ عباس ؛ صَحَّ القول به، وتعيَّنَ تقديمه على العموم.

[ومن مسائل هذا الاستدراك]

حرصُ السلف على تأكيد المعاني الصحيحة في التفسير ورَدِّ ما سواها، وقد تنوَّعتْ طرائقهم في ذلك، فكان منها القسم، ويجيء في تفاسير السلف كثيرًا عند الحاجة إليه، وما أقسموا عليه من معاني كلام الله تعالى يستلزمُ تقديمًا في النظر، واعتبارًا في البحث، ووقوفًا على أسبابه الحاملة عليه.

* * *

[٤٤] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال ١٦].

عن نافع (٣) قال: سألت ابن عمر قلت: (إنَّا قومٌ لا نثبت عند قتال عدونا، ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي: الفئة رسول الله . فقلت: إن الله يقول ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ [الأنفال ١٥]. قال: إنما أُنْزلت هذه الآية


(١) المحرر الوجيز ٢/ ٣٦٨.
(٢) الإتحاف بتمييز ما تبع فيه البيضاويُّ صاحبَ الكشاف (مخطوط، ص: ٤).
(٣) نافع مولى ابن عمر، أبو عبد الله المدني الفقيه، ثقة ثبت مشهور، مات سنة (١١٧). ينظر: الكاشف ٣/ ١٩٧، والتقريب (ص: ٩٩٦).

<<  <   >  >>