للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المسألة، ولا يُفطَنُ له فيُعطى.

قال النووي (ت: ٦٧٦): (المسكين الكامل المسكنة، الذي هو أحق بالصدقة، وأحوج إليها، ليس هو هذا الطَّوَّاف، بل الذي لا يجد غِنىً يُغنيه، ولا يُفطَنُ له، ولا يسأل الناس، وليس معناه نفي أصل المسكنة عن الطَّوَّاف، بل معناه نفي كمال المسكنة، كقوله تعالى ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [البقرة ١٧٧]) (١)، وقال القرطبي (ت: ٦٥٦): (وهذا كقوله: "ليس الشديد بالصُّرَعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (٢)، و مثل هذا كثير) (٣). فَلَمَّا كان المسكين في الظاهر عند الصحابة، والمُتعارف عندهم هو: السائل الطَّوَّاف (٤)، بَيَّنَ رسول الله معنىً أولى من هذا المعنى المتعارف عليه عندهم، وهو: المتعَفِّف، الذي جمع عِفَّةً وحاجة، ومن كانت هذه حاله فهو أولى باسم المسكين وسهمه من غيره، فإنَّ الأوّلَ يأخذ حاجته بسؤاله، وربما كان فيها كفايته، بخلاف الآخر فإن حاجته دائمة؛ إذ لا يسأل، ولا يُفطَنُ له فيُعطى.

* الحكم على الاستدراك:

في هذا الحديث استدراك نبويٌ على قولٍ مُطلَقٍ لم يُعَيَّن قائِلُه، نَبَّه فيه رسول الله صحابته إلى معنىً أولى من المعنى المُتَبادر المعروف عندهم، فلَم يَنفِ المعنى الأوَّل، إذ هو صحيح في أصله، وإنما ذكر معنىً آخر أولى وأكمل منه، وأحرى


(١) شرح صحيح مسلم ٣/ ١٠٦.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ١٠/ ٥٣٥ (٦١١٤)، ومسلم في صحيحه ٦/ ١٢٥ (٢٦٠٩).
(٣) المُفهِم ٣/ ٨٤.
(٤) نقله الطِّيبِي (ت: ٧٤٣) في شرح المشكاة ٥/ ١٥٠٥ عن الخطابي (ت: ٣٨٨)، ونَصَّ عليه ابن عطيَّة (ت: ٥٤٦) بقوله: (فدَلَّ هذا الحديث على أن المسكين في اللغة هو الطَّوَّاف). المحرر الوجيز ٣/ ٤٩.

<<  <   >  >>