لَمَّا ظَنَّ هذا السائل أن البخلَ والشُّحَّ شيءٌ واحد بقوله:(أنا رجلٌ شحيح، لا يكاد يخرج مني شيء)، خاف أن يفوته من الفلاح الموعود به في الآية بمقدار ما به من البخل، فشكا إلى ابن مسعود ﵁ ما خافه من الهلاك بسبب بُخله، فبيَّنَ له ابن مسعود ﵁ أنَّ ما وصف به نفسه هو: البخل، وليس الشُّح، (وبئس الشيء البخل)(١)، ثم فَرَّق ابن مسعود ﵁ بينهما، فذكر أن البخل: إمساك المال عن النفقة في وجهه. وهو ما وصف الرجل به نفسه بقوله:(لا يكاد يخرج مني شيء). وذكر بعد ذلك الشُّحَّ، وبيَّنه بقوله:(أن تَعْمَد إلى مال غيرك، أو مال أخيك فتأكله ظلمًا)، فالشُّحُّ عند ابن مسعود ﵁ هو: أكل مال غيرك ظلمًا. وهو المُراد عنده في هذه الآية، وفي غيرها ممَّا ذُكر فيها الشُّح، حيث قال:(وأمَّا ما ذكر الله في القرآن فليس كما قُلتَ، ذلك أن تَعْمَد .. ). فجَعَلَ الرجلُ البُخلَ والشُّحَّ شيئًا واحدًا، لاشتراكهما في المنع، وفرَّقَ بينهما ابن مسعود ﵁ اعتمادًا على اللغة، وما يشهد لذلك من حديث رسول الله ﷺ، كما سيأتي.
(١) نقل ابن القيم إجماع المفسرين على أن الفحشاء في قوله تعالى ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء﴾ [البقرة ٢٦٨]: البخل. طريق الهجرتين (ص: ٥٥٤). وقال ابن مُبَشر (ت: ٢٥٨): (قعدت مع أحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، والناس مُتوافرون، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا). طبقات الحنابلة ١/ ١٣٨.