للترتيب فقال ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ [فاطر ٣٢]، أي: هذه الأمَّة، ثُمَّ فَصَّلَ حال هذه الأمَّة في قِسمَةٍ مُفتتَحَةٍ بالفاء المفيدة تَرَتُّب ما بعدها على ما قبلها فقال ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر ٣٢]، ثُمَّ ذكرَ مَآلَهُم مُفَصَّلًا فقال ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [فاطر ٣٢ - ٣٥]، فلَمَّا استوفى أقسام هذه الأمة أعقَبَ ذلك بذكر الخارجين عنهم؛ وهم الذين كفروا؛ لِتَعُمَّ الآياتُ أقسامَ الخلقِ كُلّهم، فقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ [فاطر ٣٦].
وذهب الحسن (ت: ١١٠) إلى أن هذه الأقسام في الآية عامَّة للخلق كُلِّهم، فيكون الظالم لنفسه الكافرُ والمنافقُ، كالأقسام المذكورة في سورة الواقعة في قوله تعالى ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الواقعة ٥ - ١٠]، وهذا بيانٌ للقرآن بالقرآن، ثم لا يستقيم أن يكون الظالم لنفسه من المُصطَفين الوارثين للكتاب.
* الحكم على الاستدراك:
ذهب ابن عباس ﵁(١)، ومجاهد (ت: ١٠٤)، وعكرمة (ت: ١٠٥)، والضحاك (ت: ١٠٥)، وقتادة (ت: ١١٧)، وزيد بن أسلم (ت: ١٣٦)، والفراء (ت: ٢٠٧)، إلى نحو قول الحسن (ت: ١١٠) في هذه الآية، وعن ابن عباس، والحسن (ت: ١١٠)، وقتادة (ت: ١١٧) أن هذه الأقسام الثلاثة كالأقسام الثلاثة المذكورة في أول سورة
(١) في رواية عكرمة، وعمرو بن دينار، وجابر الجعفي، والعوفيين. ينظر: تفسير الثوري (ص: ٢٤٦)، وتفسير عبد الرزاق ٣/ ٧٠، وتفسير البستي ٢/ ١٦٧.