للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

• المَبْحَثُ الأَوَّلُ: أَثَرُ اسْتِدْرَاكَاتِ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى وجوهِ التَّرْجِيحِ فِيه.

ثَمَّةَ أمارات يُتوصل بها إلى معرفة الراجح من الأقوال في معاني الآيات، تعرف ب"وجوه الترجيح في التفسير" (١)، وهي وإن لم تكن دائمًا في محلّ الوضوح والتنصيص في تفاسير السلف إلا أنها معتمدهم في الترجيح والاختيار، وقد كان لاستدراكاتهم في التفسير أثرٌ واضحٌ في إبراز هذه الوجوه والتأكيد عليها؛ لحاجة المفسر إلى ذكرها في استدراكاته عند الحاجة. وسبيل معرفة هذه الوجوه من أقوال السلف ليس بقريب؛ لحاجته إلى استقراء أقوالهم وردودهم، واستخراجها منها.

ومن خلال ما تمَّت دراسته من الاستدراكات في الباب الأول يتبيَّن في هذا الجانب ما يأتي:

أولًا: لم تكن هذه الوجوه الترجيحية نصوصًا صريحةً في كلام مفسِّري السلف على الأغلب، والصريح منها لم يكن مسبوكًا في صورة "قاعدةٍ" بمعناها الاصطلاحي، وإنما بدأت تبرز بِهذه الصورة في كلام نَقَدَةِ التفسير، ومحرري الأقوال فيه شيئًا فشيئًا. (٢)

ومن أمثلة ذلك قاعدة: "العبرةُ بعموم اللفظ لا بخصوص السَّبب"، فإن أصلَها وارد عن رسول الله حينما أخبره رجلٌ أنه أصاب ذنبًا، فنَزل فيه قولُه تعالى


(١) ينظر: النكت والعيون ١/ ٣٨، ومجاز القرآن، للعز بن عبد السلام (ص: ٢٢٠) ط: دار البشائر، والتسهيل ١/ ٢٠.
(٢) ولذلك سَمَّاها ابنُ جُزَي (ت: ٧٤١) في مقدمة تفسيره ١/ ٢٠: «وجوه الترجيح»، وهو أقدم من وصفها وجمع جُملةً وافِرَةً منها، وعِبارَتُه هذه تسميةٌ دقيقةٌ بالنظر إلى الغرض منها في استعمال المُفَسِّر، ولأن بعضها لا يرتقي إلى أن يكون قاعدة بمعناها الاصطلاحي، أو ليس لفظُهُ بِمَسبوكٍ في صورةِ قاعدةٍ، مع صِحَّتِه ووضوحِه.

<<  <   >  >>