للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ ذكر المعنى واضحًا بعد ذلك، فقال: (فالإلقاء باليد إلى التهلكة: أن نُقيمَ في أموالِنَا ونُصلِحَهَا، ونَدَعَ الجِهَاد). وصَدَّقَ قولَه بفعله، قال أبو عمران: (فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله، حتى دفن بالقسطنطينية).

فتَبَيَّن من ذلك اعتمادُ أبي أيوب على سبب النُّزول، ويُقَوِّي ما ذكره من معنىً سِبَاقُ الآية، وهو الأمر بالإنفاق في سبيل الله تعالى، والحذر من مُقابِلِه، وهو الاشتغال بالمال عن الجهاد في سبيل الله، فيكون إلقاءً باليد إلى التَّهلُكة.

* الحكم على الاستدراك:

الاستشهاد بالآية على ما فعله هذا الرجل من إقدام وإرهاب للعدو ليس بصحيح؛ لأن الإلقاء باليد إلى التهلكة مذموم، وما فعله هذا الرجل محمود، إذ فيه إظهار للشجاعة، وإرهاب للعدوّ، وتقوية وتجرئة للمسلمين عليهم، ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة (١)، ولَمَّا قيل لعمر : إن رجلًا رمى بنفسه في الحرب فقُتِلَ، فقال ناسٌ: ألقى بيده إلى التهلكة. قال عمر: (كذبوا، لكنه اشترى الآخرة بالدنيا) (٢)، ومن ثَمَّ فالمعنى الذي ذكره أبو أيوب هو الصواب، ويشهد له سبب النُّزول الذي ذكره، وسياق الآية الآمِرِ بالنفقة في سبيل الله، وترك الاشتغال بالمال عن الجهاد في سبيل الله. (٣)

وصحة المعنى المذكور عن أبي أيوب في مُقابل ما فهمه الناس خَطًا من الآية لا يعني انحصار الصواب فيه، فقد ورد عن عدد من الصحابة تفسير


(١) ينظر: أحكام القرآن، للجصاص ١/ ٣١٨، والتفسير الكبير ٥/ ١١٧، وجامع المسائل (ص: ٣٢٧)، وفتح الباري ٨/ ٣٤.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٦/ ٥٥٨ (٣٣٧٨٩)، والبيهقي في السنن ٩/ ٤٥ (١٧٧٠٧)، وعزاه ابن حجر لابن جرير، وابن المنذر، وصححه. ينظر: الفتح ٨/ ٣٣.
(٣) ينظر: جامع المسائل (ص: ٣٢٦).

<<  <   >  >>