للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سوءِ فهمٍ من غيره، إذ فيه تحميل للآية ما لا تحتمل، ووصفُ مخلوقٍ بما لا يصلحُ إلا للخالق سبحانه.

وتبرز في هذا الاستدراك مسألةُ الاستشهاد بآيات القرآن الكريم على واقعة مُعَيَّنَة (١)، وضوابط هذا الاستشهاد، وشروط صحته. وفي هذه الرواية عن ابن عباس إشارة إلى ضوابط هامّة في هذا الباب، منها:

أولًا: يشترط لصحة الاستشهاد بالآية على واقعةٍ مُعَيَّنَة صِحَّةُ المعنى المُستَشهَدُ به في الآية؛ لأنه بمثابة الأصل الذي يُبنى عليه.

ثانيًا: لا بد من تطابق الآية المُستَشهَد بها، مع الواقعة المُعَيَّنَة، فإذا تخالف الأمران بَطل الاستشهاد، كالاستشهاد بما هو من خصائص الخالق، على حال المخلوق، كما هو صنيع الرجل في هذه الرواية، وكذا الاستشهاد بما هو في الكافرين وتنْزيله على المسلمين، كما اشتهرت بذلك الخوارج. (٢)

ثالثًا: إذا ترتب على هذا الاستشهاد إضرارٌ بالمعنى الأصلي للآية المُستَشهَدِ بها مُنِعَ منه؛ سَدًّا لباب إساءة الفهم، ويندرج هذا الضابط تحت الأصل الشرعي: "درء


(١) ويقرب منه: تنْزيل معاني آيات القرآن الكريم على الوقائع، وبين الاستشهاد والتنْزيل عموم وخصوص من وجه، فإذا تطابقت- عند القائل- الآيةُ المُستَشهَد بها، مع الواقعة المُعَيَّنَة من وجهٍ، أو في صفةٍ، فهو استشهاد بها في هذا الوجه أو تلك الصفة، أمَّا إذا تطابقت- عنده- الآية المُستَشهَد بها، مع الواقعة المُعَيَّنَة من جميع الوجوه، فهو تنْزيل للآية من جميع وجوهها على الواقعة، كما هو قصد الخوارج في استدلالاتهم على الصحابة . فالتنْزيل أعمُّ من الاستشهاد من هذه الجهة، وهي: قصدُ المتكلِّم به.
كما أن الاستشهاد أعَمُّ من التنْزيل لُغَةً؛ فإنَّ التنْزيل في أصله استشهاد، لكنه بقصدٍ خاصٍّ كما سبق.
(٢) قال ابن عمر عن الخوارج: (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين)، أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجزم ١٢/ ٢٩٥، ٢٩٨ وصححه ابن حجر. وينظر الاستدراك رقم (٤٢) (ص: ٢٣١).

<<  <   >  >>