للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وأنت فأقرئه السلام، وأخبروه أنها نزلت وهو يهودي) (١)، وجواب ابن مسعود هذا يومئ إلى منشأ خطأ كعب في قوله هنا، ويثير سؤالًا:

- هل ليهودية كعبٍ الأولى أثرٌ في خطأِه في التفسير؟

الجواب: نعم، وهذا ما أشار إليه ابن مسعود بعبارته السابقة، وبمثل قوله عن قولٍ بلغه عن كعب: (ما تَنْتَكِتُ اليهوديَّة في قلبِ عبدٍ فكادت أن تفارقه) (٢)، وليس مُراد ابن مسعود بيهودية كعبٍ النسبَ أو الدينَ، فإن ذلك لا أثر له هنا، فقد أسلم كعب وحَسُن إسلامه، وصار من علماء المسلمين، فليس المراد أنه إنما أخطأ لأنه يهودي (٣)، وإنما أراد أمرًا آخر، هو بيان التفاوت في العلم بالقرآن وتأويله، فابن مسعود شهد التنْزيل، وعرف التأويل بوجوه لم تتيسر لكعب وغيره ممَّن جاء بعد الصحابة، ثم تَمَكُّن ابن مسعود في عربيَّتِه مما لا يخفى. كُلُّ ذلك في مقابل تأخر كعب عن زمن التنْزيل، وغياب وجوهٍ من التأويل عنه وعن غيره ممَّن لم يظفر بشرف الصحبة- كالعلم بسبب النُّزول، وحال من نزل فيهم القرآن-، وكذلك علمه الواسع


(١) أخرجه الثوري في تفسيره (ص: ٨٣)، وعنه ابن جرير في تفسيره ٤/ ٢٦٧ (٦٦٥٥)، وإسناده صحيح. وينظر: الدر ٢/ ٣٧٥.
(٢) جامع البيان ٢٢/ ١٧٤.
(٣) لم يكن من هدي السلف رَدُّ أخبارِ أهلِ الكتاب لأنهم أهلُ كتاب، بل كانوا يقبلون الحق ممَّن جاء به، ثُمَّ يردُّون ما في هذه الأخبار ممَّا خالف الحق، وفيما يخصُّ التفسير هنا يُتَنَبَّه إلى أنه ليس من الصواب رَدُّ الإسرائيليات الواردة في كتب التفسير وإخراجها منها لأنها إسرائيليات، بل يُنظَر في هذه الأخبار فيَقَرُّ صوابها، ويبَيَّن خطؤُها، ويستفاد مما فيها من صواب وافق ما عندنا من الحق أو لم يخالفه، وعلى هذا نَهج أئمة المفسِّرين في تصانيفهم في كل زمان، فلا يكاد يخلو كتابٌ من كتب التفسير- غير المُختَصرَة- من إيراد هذه الأخبار والاستفادة منها، والأخذ بالرُّخصة النبوية في ذلك. ينظر: المحرر الوجيز ١/ ٣٣٧، ومجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٥، وتلخيص كتاب الاستغاثة ١/ ٨٠، وتفسير ابن مسعود ٦٩ - ٧٧، والإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري الرواة .. الموضوعات .. المقاصد، لنايف الزهراني، طبع مركز تكوين.

<<  <   >  >>