للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

لمّا كان الكنْز في لغة العرب جمع الشيء بعضه على بعض وحَرْزُه (١)، وهو في المال: جمعه تحت الأرض أو على ظهرها (٢)؛ شق قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة ٣٤] على الصحابة ؛ إذ توجه الوعيد عندهم إلى مطلق جمع الذهب والفضة، أخذًا بظاهرِ اللفظ وأصلِه في لسانهم. ولم يَزُل ما شقَّ عليهم منها إلا بالنقل الشرعي لكلمة كنْز عن معناها اللغوي، وتخصيص الكنْز شرعًا: بما لم تُؤَدَّ زكاته (٣)، وذلك حين أخبر عمرُ رسولَ الله عمَّا وجده الصحابة من هذه الآية، فأجابه رسول الله : (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليُطَيِّب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم)، فكَبَّرَ عمر ، حين علم أن ما أُخْرِج زكاته من المال ليس بكنْز، ولو جمعه الإنسان ومات عنه، فهو ميراث حلال لمن بعده.

فصار المعنى النبوي لقوله تعالى في الآية ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ﴾ [التوبة ٣٤]: أي يمنعون ما أوجب الله فيها من الزكاة. (٤)

* الحكم على الاستدراك:

ليس في مسلك الصحابة في الأخذ بعموم اللفظ وأصل معناه في لغة العرب ما يُعاب، بل هو الصواب؛ ولذلك لم يتوجه الخطاب النبوي لتخطئتهم فيما فهموه من ذلك في هذه الآية، وإنما أبان التفسير النبوي معنىً خاصًا للكنْز في


(١) ينظر: تهذيب اللغة ١٠/ ٥٨، ومقاييس اللغة ٢/ ٤٢٥، وجامع البيان ١٠/ ١٥٦، والكشف والبيان ٥/ ٣٩.
(٢) ينظر: جامع البيان ١٠/ ١٥٦، والنهاية في غريب الحديث ٤/ ١٧٦.
(٣) المرجع السابق، وأحكام القرآن، للجصاص ٣/ ١٣٧، وفتح الباري ٣/ ٣٢٠.
(٤) جامع البيان ١٠/ ١٥٧، وأحكام القرآن، للجصاص ٣/ ١٣٧.

<<  <   >  >>