للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

ذهب أبو الجوزاء إلى أن المُراد بالذكر في الآية ما يُقابلُ النسيان، فأشكل ذلك عليه من جهة أن الإنسان رُبَّما مضى عليه وقت لا يذكر أباه فيه، فلا يُناسِب أن يُقرَن ذلك الذكر القليل للآباء، بالأمر بالإكثار من ذكر الله الوارد في الآية. وفهمه هذا معتمدٌ على معنى الذِّكر لُغَة.

فَنَفى ابن عباس ما فهمه أبو الجوزاء من الآية، وبَيَّنَ أن المُراد بالذكر هنا المعنى الشرعي له (١)، الذي يشمل ذكر القلب واللسان والجوارح، فيدخل فيه فعل الطاعات، وترك المنكرات، ومن ثَمَّ فالمُراد هنا: أن تغضب لله إذا عُصِيَ، كغَضَبِكَ لوالدك إن ذُكِرَ بسوء، أو أشَدّ. وهذا تفسير بجزء المعنى، وتمثيلٌ له، فمن صُوَرِ ذكر الله بالفعل أن تغضبَ له إذا عُصِي.

* الحكم على الاستدراك:

أصلُ الذِّكرِ لُغةً: حِفظُ الشيء، وجَريُهُ على اللسان (٢). ومن ثَمَّ فكلا المعنيين المذكورين هنا صحيح لُغةً، غيرَ أن أحدَهُما تفسير بالمُطابق، والآخرُ تفسير بالمِثال، وتفسير ابن عباس- وإن لم يكن مُطابقًا للَّفظة؛ وإن كان تفسيرًا بالمثال إلا أنه- أصح من فهم أبي الجوزاء وأصوب؛ لأنه موافق للفظ الآية وظاهرها، بخلاف فهم أبي الجوزاء، ففيه مناقضةٌ لمعناها، وإن كان صحيحًا لُغَةً.

وقد ذكر المفسرون معاني عديدة أكثرها يرجع في المعنى إلى وجوب لزوم العبد ذِكرَ الله تعالى، ودوام تعظيمه، والانقطاع إليه عَمَّن سواه، بتضَرُّع وافتقار، وأن يكون ذكره لربه أكثر من ذكره لأيّ مخلوق، على أي صورة كان ذِكره، نظير ما يكون من


(١) ينظر: الوابل الصيب (ص: ٢١٦)، وجلاء الأفهام (ص: ٥٣٠)، وتهذيب السالكين ٣/ ٢٧١.
(٢) ينظر: تهذيب اللغة ١٠/ ٩٤، ومقاييس اللغة ١/ ٤٤٦.

<<  <   >  >>