للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر الولد لوالديه، وتضرعه لهما، وحاجته إليهما (١).

وأولى هذه الأقوال وأقربها: أن الله تعالى أمر القوم في إسلامهم بأن يكثروا من ذكر الله تعالى بعد فراغهم من مناسكهم، نظير ما كانوا يفعلون في جاهليتهم بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم، إذ كانوا يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم سائر اليوم. وقد ورد سبب النُّزول هذا عن ابن عباس قال: (كان أهل الجاهلية يقفون في المواسم، فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم، ويحمل الحَمَالات (٢)، ويحمل الديات. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل الله تعالى على نبيه محمد ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة ٢٠٠]، يعني ذكر آبائهم في الجاهلية، ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة ٢٠٠]) (٣)، وورد نحو ذلك عن أنس بن مالك ، وأبي وائل (٤) (ت: ٨٢)، وسعيد بن جبير (ت: ٩٥)، ومجاهد (ت: ١٠٤)، وعكرمة (ت: ١٠٥)، والقرظي (ت: ١٠٨)، والحسن (ت: ١١٠)، وعطاء (ت: ١١٤)، وقتادة (ت: ١١٧)، والسدي (ت: ١٢٨)، وعطاء الخراساني (ت: ١٣٥)، والربيع بن أنس (ت: ١٣٩)، ومقاتل بن حيّان (ت: ١٥٠) (٥).

ويَقْوَى هذا القول من جهة موافقته لسبب النُّزول، ومناسبته لحال من نزل عليهم القرآن، وعادتهم في ذلك؛ ليكون أبلغ في الامتثال والطاعة، وقد كانت كثيرٌ من مواقف الحج تصحيحًا لِمَا كان عليه أهل الجاهلية، ومنه قوله في ذلك: (إن الله ﷿ قد


(١) ينظر: التفسير الكبير ٥/ ١٥٨.
(٢) جمع حَمَالة، ككَفَالة، وزنًا ومعنىً. ينظر: الصحاح ٤/ ١٦٧٧، والقاموس المحيط (ص: ٨٨٩).
(٣) تفسير ابن أبي حاتم ٢/ ٣٥٥.
(٤) شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، ثقة مخضرم، من العلماء العاملين، مات سنة (٨٢). ينظر: الكاشف ٢/ ١٥، والتقريب (ص: ٤٣٩).
(٥) ينظر: جامع البيان ٢/ ٤٠٤، وتفسير ابن أبي حاتم ٢/ ٣٥٥، وأسباب النُّزول (ص: ٦٥).

<<  <   >  >>