للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ [يس ٦٠ - ٦١]، وقول إبراهيم لأبيه ﴿يَاأَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾ [مريم ٤٤]، وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام ١٢١] (١)، فَسَمَّى طاعة الشياطين وأوليائهم عبادة لهم، كما سَمَّى الذين يُطاعون في معاصي الله (شركاء)، فقال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام ١٣٧]. (٢)

* الحكم على الاستدراك:

ما ذكره رسول الله مبيّنًا فيه معنى الآية هو الموافق لحقيقة حال أهل الكتاب، كما أنه المعنى الشائع في القرآن، ونظائر هذه الآية في كتاب الله ما كانت لتخفى على من قرأها وعرفها، لكن عَديًّا إنما سمع هذه الآية في أوّل لقائِه رسولَ الله ليُسلِم، فكانت من أوّل ما طرق سمعه من كلام الله ﷿، فلم يتفطّن لذلك المعنى القرآني الشائع فيه، وإنما فهمَ ما عهدَ من معنى اتخاذ الأرباب، واستلزامه صُوَرًا من العبادة معيَّنةً ما كان اليهود والنصارى يصرفونها لأحبارهم ورهبانهم.

وهو أيضًا ما دَلَّ عله السياق قبله وبعده، ففي الآية قبل ذلك قوله تعالى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [التوبة ٢٩]، فممّا وُصِف به الذين أُوتوا الكتاب في هذه الآية، عدم تحريمهم لِما حَرَّم الله ورسوله، فأحَلُّوا الحرام وحَرَّموا الحلال، وهو ما ذُكِرَ بعد ذلك في هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة ٣١]، ثُمَّ في الآية بعدها قوله تعالى ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ


(١) قال الشنقيطي (ت: ١٣٩٣) عند هذه الآية: (وهذا الشرك في قوله ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ هو الشرك الأكبر المُخرج عن مِلَّةِ الإسلام بإجماع المسلمين). العذب النمير ٥/ ٢٢٦٨.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٧/ ٦٧، والعذب النمير ١/ ٣١٨.

<<  <   >  >>