للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف ١٠٥]، ثم بَيَّنَ أنَّهم مع إيمانهم بخالقها ومدَبِّرها وهو الله، فإنهم مشركون في عبادته غيره، في أنواع العبادات القلبية والقولية والعملية. ثم استشهد ابن عباس على أن هذه الآية في غير المسلمين- (فإنَّا لم نُعْنَ بها) - بورود ذلك المعنى في كتاب الله تعالى، كما في آيتي لقمان والمؤمنون اللتين استشهد بهما، وكما في قوله تعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩]، وقوله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧]، وقوله ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون ٨٦ - ٨٧]، وغيرها في كتاب الله كثير. (١)

* الحكم على الاستدراك:

ما ذكره ابن عباس في أن هذه الآية في غير المسلمين هو الراجح؛ لدلالة السياق عليه كما سبق، ولورود نحو هذا الخطاب كثيرًا في كتاب الله مُرادًا به الكافرين، ودَلَّ عليه كذلك التعبير بالجملة الاسمية في قوله ﴿وَهُمْ مُّشْرِكُونَ﴾ [يوسف ١٠٦]، فإنه يفيد مُلازمتهم للشرك، واتِّصافهم به، لا كوصفهم بالفعل، كما لو قال: (وهم يشركون)، فالاسم أقوى وأثبت من الفعل، فإن الجملة الاسميّة تفيد الثبوت والدوام والاستقرار، بخلاف الفعلية التي تفيد الحدوث والتجدد والتغَيُّر (٢)، فهم ثابتون دائمون على شركهم، وهو الأصل فيهم، وإن ادَّعوا الإيمان، أو ظنوا أنهم مؤمنون في زعمهم ولجهلهم.

وأمَّا قوله : (إنما عُنِيَ بها أهل الكتاب)، فهو من باب التمثيل لا الحصر،


(١) ينظر: أضواء البيان ٣/ ٥٥.
(٢) ينظر: شرح الطِّيبِي على المشكاة ٣/ ٩١٧، ١٠٠١، والتعبير القرآني (ص: ٢٢)، ولمسات بيانية في نصوص من التنْزيل (ص: ٨٤)، وينظر في التأصيل والتمثيل لهذه المعاني كتاب: معاني الأبنية في العربية، باب: (الاسم والفعل).

<<  <   >  >>