للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٨٠] ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور ٤].

قال يحيى بن سَلاَّم في قوله تعالى ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور ٤]: (العاصون، وليس بفسق الشرك، وهي كبيرة) (١).

* تحليل الاستدراك:

نفى ابنُ سلاَّم (ت: ٢٠٠) أن يكون المُراد بالفِسقِ في الآية: فسق الشرك، المُخرج من المِلَّة. ومن ذهب إلى ذلك اعتمدَ صحةَ هذا المعنى لُغةً، فإنَّ الفسق مُطلَقُ الخروج عن الطاعة (٢)، فيدخل فيه الخروج من الإسلام إلى الشرك. وهو الظاهر من اقترانه ب"ألْ" المفيدة للاستغراق والعموم، كما أن تقدم ضمير الفصل "هُمْ" يفيد اختصاصهم بصفة الفسق، وتمحضهم بها، وذلك حين كونهم مشركين. ثُم قد تكرر الاستعمال القرآني لكلمة الفسق بمعنى الشرك في غيرما آية، منها قوله تعالى ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة ٦٧]، وهذه الآية نظير آية النور تركيبًا ومعنىً، قال الشوكاني (ت: ١٢٥٠): (وهذا التركيب يفيد أنهم هم الكاملون في الفسق) (٣). ومن النظائر كذلك قوله تعالى ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف ٥٠]. بل الأعم الأغلب في زمن التنْزيل إطلاق الفاسق على الكافر، قال ابن الوزير (٤) (ت: ٨٤٠): (قد ورد في السمع ما يدل


(١) تفسيره ١/ ٤٢٨.
(٢) ينظر: مقاييس اللغة ٢/ ٣٥٤، وسيأتي بيان المعنى اللغوي بتوسع.
(٣) فتح القدير ٢/ ٥٣٩، وينظر: روح المعاني ١٨/ ٤٠٢، والتحرير والتنوير ١٨/ ١٥٩.
(٤) محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى، أبو عبد الله الحسني اليمني، المعروف بابن الوزير، إمام فقيه أصولي، صنف العواصم والقواصم، وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان، وغيرها، مات سنة (٨٤٠). ينظر: الضوء اللامع ٦/ ٢٧٢، والبدر الطالع ٢/ ٨١.

<<  <   >  >>