للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* تحليل الاستدراك:

نفى ابنُ مسعود أن يكون المُراد بالختام في قوله تعالى ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ [المطففين ٢٦]، الخاتَمَ الذي يُختَم به، وهو: ما يُطبَعُ به من طِينٍ ونحوه؛ لحفظ الشيء، والاستيثاق منه (١). وأَكَّدَ ذلك بقوله: (ليس بخاتَمٍ يُختَتَم). وذلك من معاني الختم لُغةً، قال الأعشى (٢):

وأَبْرَزَهَا وِعَلَيْهَا خَتَمْ

وفي تفسيره بذلك بيانٌ لِكرامة أهل الجنة؛ بحفظ شرابهم وصِيانَته كذلك، وذلك لا من شيء يقع فيه أو يُفسِدُه؛ وإنما لِمَا جَرَت به عادتهم في الدنيا من خَتْمِ ما يُكرَم ويُصَان (٣)، فهو من عُرفِ المُخاطَب، (والطباع مائلةٌ إلى المعروف، نافرةٌ عن غير المعروف) (٤). كما أن المعهود من استعمال القرآن تقريبُ نعيمِ الجنَّةِ بما يعهدُه الناسُ في دنياهم، وهذا من ذلك (٥). قال الباقلاني (٦) (ت: ٤٠٣): (ولو كان الختام هو الختم والطابع لم يدل ذلك على القِلَّة، ولكن على التشريف لأولياء الله والكرامة؛ ولذلك يتَّخِذُ الملوك خزائن الشراب، ويضعون عليها الخواتيم والأقفال، ويغطون الآنية بفاخر الثياب، ويتهادون الأشربة مختومةً مضمونة، وإن أرسلوها مع أمنائهم


(١) تهذيب اللغة ٧/ ١٣٧، والصَّحاح ٥/ ١٩٠٨.
(٢) ديوانه (ص: ٤٠٢).
(٣) نقله الرازي عن القَفَّال. ينظر: التفسير الكبير ٣١/ ٩٠.
(٤) الكلمات البيِّنات (ص: ٧٤)، ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، رسالة رقم (٦٢).
(٥) ينظر في الترجيح بمثل ذلك: التبيان في أقسام القرآن (ص: ١٠٨، ١٨٤)، وأجوبة العلامة الفقيه أبي عبد الله ابن البقال على أسئلة الفقيه أبي زيد القيسي في حَلِّ إشكالات تتعلق بآيات، (ص: ٩٤)، ضمن مجموع: لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام، رسالة رقم (٦٥).
(٦) محمد بن الطيب بن محمد، أبو بكر الأشعري، المعروف بابن الباقلاني، الأصولي المتكلم، كان سيفًا على المعتزلة والرافضة، وغالب قواعده على السُّنَّة، مات سنة (٤٠٣). ينظر: تاريخ بغداد ٥/ ٣٧٩، والسير ١٧/ ١٩٠.

<<  <   >  >>