للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن الله تعالى هو العالم المحيط بكل شيء، وإليه منتهى علم كل عالم، فقال: (يكون هذا أعلم من هذا، ويكون هذا أعلم من هذا، والله فوق كُلِّ عالم) (١). وقد يُقال: ليس الاستدراك هنا على فهم الرجل، أو استشهاده، وإنما هو استدراك على ما خَشِيَ ابنُ عباس أن يتطرق إلى فهم أحدٍ من السامعين، فقاله هَضمًا للنفس، وسدًّا لباب الغلوّ فيه، ورفعه فوق منْزلته. وظاهرٌ من تَعَجُّب الرجل أن ابن عباس تحدَّث بعلمٍ أخذَ بألباب السامعين، ولا غرو فهو ترجمان القرآن، والبليغ في البيان (٢)؛ فحَقَّقَ في نفوس السامعين أن العالِمَ الجامع لكلِّ أفراد العلم؛ ما كان وما لم يكن، وما ظهر وما بطن، وإليه منتهى علم كل عالم هو الله تعالى.

ومن ثَمَّ فعلى كلا التخريجين: أن يكون ابن عباس هو الموصوف بأعلى العلم في الآية، كما فهم الرجل، أو كما خشيَ ابن عباس أن يفهمه بعض السامعين؛ فهذا قولٌ منكر عند ابن عباس، وصوابه عنده: أن الله تعالى هو "العليم"، ب"أل" المستغرقة لجنس العلم وتمامه، ثم بعد ذلك يتفاوت الناس فيما آتاهم الله من علم، وعلم الله تعالى فوق علمهم جميعًا.

* الحكم على الاستدراك:

ما ذكره ابن عباس في معنى هذه الآية هو الحق، وهو المعروف عند المفسرين (٣)، وما ذكره هذا الرجل فهو خطاٌ في نفسه إن اعتقده، أو فيما يؤول إليه من


(١) كما في رواية البيهقي في الأسماء والصفات ١/ ٢٠٧.
(٢) عن أبي وائل (ت: ٨٢) قال: (خطبنا ابنُ عباس وهو أميرٌ على الموسم، فافتتح سورة النور فجعلَ يقرأ ويُفَسِّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلامَ رجل مثل هذا، لو سمعته فارس والروم والتُّرك لأسلَمَت). جامع البيان ١/ ٥٧، والسير ٣/ ٣٥١.
(٣) ينظر: تفسير مقاتل ٢/ ١٥٩، ومعاني القرآن، للفراء ٢/ ٥٢، وجامع البيان ١٣/ ٣٥، وإعراب القرآن، للنحاس ٢/ ٢١١، والوسيط ٢/ ٦٢٤، والجامع لأحكام القرآن ٩/ ١٥٦، وتفسير ابن كثير ٤/ ١٨٥٢.

<<  <   >  >>